11 سبتمبر 2025

تسجيل

الاحتقار داء عضال

13 ديسمبر 2012

يرتبط الاحتقار كصفة قميئة بذيئة، بالسلوك الشاذ المنفر متمخضاً عن خلل في الشخصية السوية كشعور بالنقص يعتور المحتقر، لأنه فقد المقومات الأساسية لطبيعة النفس البشرية، التي خلقها المولى في أحسن تقويم في حين أمسى ضعف الإيمان  عنواناً بارزاً لسوء الأدب والأخلاق، مفضياً هذا الضعف إلى صياغة نموذج غير مشرف وهو ينظر إلى الآخرين بازدراء هو الجدير به، وإذا تأملت سلوك هذا الأخرق فإن أكثر من سؤال يدور في ذهنك  لماذا؟ وكيف؟ وما هي المحصلة والعائد من هذا الشذوذ ، وإجابة لهذا التساؤل فلأن الفكر خاو إلا من ترسبات سقيمة بائسة ألقت بظلالها لتحيله إلى كيان مهترئ انبرى له التخلف وأسهم  في تجسيده لوحة تشكيلية ذات ألوان باهتة لا معنى لها ولا قيمة وتفصح عن مكنونات وفاضها خالية من حسن الخلق، ومن ساء خلقه إلى السقوط أقرب، والأمر المؤكد هو غياب الثقافة عن هذا العنصر البغيض، فالثقافة تعني جمال الروح وليت روحه تروح من غير رجعة  ليريح الناس من نظراته البائسة، وحين تمعن النظر راغباً في تحليل هذه الشخصية  فإنك حتماً ستجد قلباً فظاً قاسياً لا تستميله المؤثرات الجمالية ولا تؤثر فيه، ذلك أن القبح نسج خيوطاً توغلت في قلبه وتمكن من نشر أشرعتها لتسهم في تضليله وتعزله منفردا الكل ينفرُ منه ولا يطيقه، ولا أعلم سبباً واضحاً يوحي له بالتميز وتفرده بخاصية ليست عند الآخرين تسوغ له الدخول في هذا النفق المظلم وتزج به إلى براثن سوء القول والعمل، ويتخذ الاحتقار والعياذ بالله صيغاً مختلفة من  حيث تمريره إلى الآخرين كسهام مسمومة، فعلى سبيل المثال قد يكون من خلال القول أو العمل، أو النظر، وفي تقديري بأن الأخيرة هي الأخطر والأسوأ، ولا أدري ما وجه الاختلاف بينه وبين غيره، فلربما خرج من بطن أمه حينما أكمل خمسة أشهر لأنه فعلاً لا يطاق ، وتجد هذا الصنف التعيس إن تحدث فإنه يتحدث من أرنبة أنفه وكأن الكلمات ستخرج من ماكينة صراف آلي، وتجده بطيء الكلام بطيء الحركة وأكاد أجزم بأنه  أحد أسباب اكتشاف المخرجين للحركة البطيئة في المسلسلات والأفلام، وإن مد يده ليصافح أحدا فبالكاد تلامس أصابعه يد الطرف الآخر وكأنه لمس سلكا كهربائيا مجروحا، وفي واقع الأمر فإن هؤلاء المرضى ليسوا بحاجة إلى علاج فقط بل إلى إعادة تأهيل لتقويم سلوكهم المعوج، ناهيك عن نظرات الاحتقار والازدراء، والشماتة وهذه من أقسى أنواع النظرات، لأنها تافهة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ومن يطلق هذه النظرات  حتماً يعاني من مركب نقص ويمارس التعويض عبر خروجه من مدار الأخلاق ومن خلال إطلاقه هذه النظرات التي لا تمت إلى القيم النبيلة بصلة، فضلاً عن سلبها لقيمة الإنسان الذي كرمه المولى وبخسها هذا القزم بمعزل عن دراية أو معرفة أو ثقافة ليستدرجه الجهل ويزج به في أتون احتقار الناس له، ولما كان الشيء بالشيء يذكر فإن هناك نظرة وإن كانت أقل حدة من النظرات آنفة الذكر إلا أنها تشرخ الكبرياء وتحدث جروحاً معنوية ليس من السهل اندمالها ألا وهي نظرة الشفقة، فالبرغم مما تحمله هذه النظرة من تغليف بالرحمة والعطف، إلا أنها في الواقع مؤذية وينبغي التفريق هنا بين الإشفاق والرحمة، فنظرة الرحمة تختلف عن نظرة الشفقة، فالأجدر بالأولى أن تكتنز المشاعر والأحرى بالثانية أن تغادر، وهذه الأساليب الموغلة في الانحدار منتشرة وبكل أسف وتستهلك بشكل يومي على الرغم من انتهاء صلاحيتها للاستهلاك الآدمي أي أن من يستهلكها ليس آدميا وعليكم فهم الباقي . ويظل  السؤال الحائر، هو كيف ينشأ هذا السلوك غير السوي وحتماً ثمة سبب يفضي إلى صياغة هذه النماذج  غير المشرفة ويحيلنا إلى موضوع أعم وأشمل لأن المسألة برمتها تربوية فالتربية السليمة تنشئ فرداً سوياً عاقلاً يضع نصب عينيه الاحترام كمعيار للتعامل، وهو ما سيجده من خلال تعامل الآخرين معه على هذا المنوال، إن إزالة الترسبات المنتنة تلك تكمن في تفعيل دور الاحترام سواء كان ذلك عبر الأسرة من أب وأم أو من خلال القنوات التعليمية والإعلامية  وتكثيف الجرعات بهذا الصدد. والأمر السار بأن هذه النماذج التعيسة في انحسار بل إنها ولله الحمد قليلة، وقد يكون للمنعطفات الحضارية المتلاحقة والتطور المذهل في مجال التقنية  دور أسهم إيجاباً  في تضاءل دورها، فلم يعد للتميز بريق يغري وبات الجميع في منظومة واحدة فيما شكلت سهولة الحصول ولله الحمد على هذه المنتجات سياجا حاصر هذا السلوك القبيح.