18 سبتمبر 2025

تسجيل

بناء الصناعات قبل العقارات

13 نوفمبر 2023

يتميز مشروع نيوم في السعودية بأنه من المشاريع الطموحة، حيث يضم منطقةً ساحليةً وجزرًا وصحاري وجبالاً في شمال غرب المملكة العربية السعودية. ويشتمل المشروع على مراكز صناعية حديثة البناء، يرفدها أحد موانئ البحر الأحمر، بالإضافة إلى الوجهات السياحية والمحميات الطبيعية. وهناك 14 قطاعًا مخصصًا للاستثمار والتنمية، بدايةً من الرياضة إلى الطاقة إلى التصميم والبناء. ومن ناحيتين مهمتين، يُعتبر نيوم نموذجًا مفيدًا لعدة أسباب. أولا، هناك تركيز قوي على الاستدامة والتكنولوجيا النظيفة. وثانياً، يُمثل التركيز على الاستثمار طويل الأجل في توسيع نطاق الأعمال، بما في ذلك الصناعات كثيفة رأس المال، أولويةً معقولةً لدولة تسعى إلى ضمان التنويع حيث لا تزال نسبة عالية من عائدات التصدير تأتي من قطاع النفط والغاز. وعند سعيها إلى دعم النمو الاقتصادي والسكاني، شجعت العديد من البلدان مطوري العقارات على بناء مشاريع سكنية جديدة، مع عدم الاهتمام في بعض الأحيان بضمان توفير خدمات داعمة كافية مثل النقل والتعليم؛ أو ما يكفي من فرص العمل ذات الجودة العالية، وهو ما قد يؤدي إلى بناء مشاريع سكنية شبه خالية. وقد ركز مطورو نيوم في البداية على الاستثمار في الشركات الواعدة، والتكنولوجيا المبتكرة والصناعات الرئيسية. وإذا ما بدأت تلك الاستثمارات تؤتي ثمارها، فسوف يتبعها التنمية السكنية والاقتصادية. وفي قطر، على النقيض من ذلك، رأينا مطوري القطاع العقاري، وبعضها مملوك للحكومة، يتسابقون لبناء مشاريع سكنية دون وجود خطة واضحة لهوية من سيشغلها. وفي إطار سعيها لتنويع مصادر الاقتصاد، شجعت قطر جهود تطوير الشركات الناشئة في اقتصاد المعرفة على مدى السنوات العشر الماضية. وهذا أمر يستحق التشجيع، ولكن من غير المرجح أن يوفر العمل المعرفي تنويعًا كافيًا وفرص عمل كبيرة. بالإضافة إلى ذلك، من المفيد محاولة استقطاب الصناعات والمستثمرين الآخرين لبناء قاعدة لهم في قطر. ورغم أن ميزانية الحكومة القطرية تتمتع بوضع صحي، إلا أنه ليس من المفيد وجود قدر كبير من العمالة في القطاع العام، حيث تلوح بالفعل مؤشرات على وجود عمالة زائدة. ويدخل آلاف الخريجين القطريين سوق العمل كل عام، وقد أظهر القطاع الخاص الحالي علامات على حدوث تباطؤ كبير في التوظيف، مع مساهمة التكنولوجيا في تسريع الانخفاضات في متطلبات التوظيف. وبالتالي هناك حاجة لزيادة حجم القطاع الخاص لاستيعاب الخريجين. وسوف يساهم إنشاء صناعات توظف 1000 شخص بشكل مباشر في دعم الاقتصاد المحلي. وتشير بعض الدراسات أن 1000 وظيفة مباشرة قد تؤدي الى نحو 5000 وظيفة بشكل غير مباشر في مجالات العقارات، وتجارة التجزئة، والضيافة، والتعليم. ويستورد قطاع النفط والغاز، وهو مصدر التصدير المهيمن، العديد من المكونات، ولذلك هناك إمكانية لتصنيع بعض من هذه المكونات في قطر. وقد قامت شركة قطر للطاقة بدور رائد في هذا الصدد عبر تنفيذها للعديد من المشاريع الكبرى بالتعاون مع شركاء دوليين. ولبناء مثل هذه المؤسسات، تكون متطلبات رأس المال هائلة. وفي نهاية المطاف، يتعين على القطاع الخاص أن يتحمل المسؤولية عن تطوير الأعمال، إذ أن الحكومة لا تستطيع بمفردها أن تمتلك أو تدير اقتصادًا ناجحًا. لكن أصحاب رأس المال الخاص قد يتجنبون المخاطرة عندما يتعلق الأمر بالاستثمارات طويلة الأجل في الشركات عالية رأس المال، ويمكن تأسيس صندوق استثماري حكومي بقيمة 10 مليارات دولار يُستثمر بالشراكة مع مستثمرين دوليين مشاركين في الصناعات متوسطة الحجم ذات القيمة المضافة والتي تتمتع بإمكانات توظيف كبيرة، وتنفيذ برنامج خصخصة بعد حوالي خمس سنوات بمجرد وصول الاستثمار إلى التدفق النقدي الإيجابي. وسوف يكمل ذلك الاستثمارات الهائلة في قطاع النفط والغاز عبر إنشاء صناعات متوسطة الحجم. ولا تعاني قطر من نقص في رأس المال الفكري أو المالي. وتبدو الظروف واعدة للغاية للاستثمار على نطاق واسع لدعم تطوير مجموعة من الشركات الرائدة، وضمان توفير وظائف واعدة للخريجين القطريين والمقيمين. ويمكن أن تأتي مشاريع التنمية السكنية بعد ذلك.