12 سبتمبر 2025
تسجيلخطابٌ صريح وجريء وواضح لخّصَ فيه سموه الوضع القطري المحلي قطر تؤمن بحقِّ الشعوب في تقرير مصيرها وترفض أيَّ تدخّل في الشؤون الداخلية لأي دولة وضعَ حضرةُ صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى نُقاطهُ فوق الحروف، لدى افتتاح سموه دور الانعقاد العادي الثامن والأربعين لمجلس الشورى، الإثنين قبل الماضي. واستشرافاً للمستقبل، والدور الحضاري لعملية تمثيل الشعب في مجلس الشورى المُنتخب، رأى سموهُ أن الخطوة الأولى لذلك، هي تشكيل لجنة عليا لانتخابات مجلس الشورى، وتحديد اختصاصاتها، برئاسة رئيس مجلس الوزراء، وتكون من مهامها الإشراف على التحضير للانتخابات وإعداد مشروعات القوانين اللازمة لذلك. ولا شك أن هذه خطوة مهمة على طريق الانتخابات التي ستَشهدها قطر في المرحلة المقبلة. هاجسُ حصار دولة قطر كان حاضراً في خطاب سموه الشامل، حيث أشار سموهُ إلى متانة الجبهة الداخلية، والنهج الهادئ والحازم لسموه في إدارة الأزمة. وبالفعل، لم تكن هنالك تشنُّجات أو انفعالات أو تصريحات فالتة، بل كانت الحكِمةُ والمسؤولية دَيدنَ سموه في كلِّ خطاباته، وفي كلِّ تصريحات الوزراء المسؤولين عن هذا الشأن. وأشار سموهُ إلى حقيقة مهمة، في كيفية تجاوز الدولة لآثار الحصار السلبية، وهي التمسك باستقلالية القرار السياسي، وعدم اللجوء إلى التحالفات أو التحزّبات التي عادة ما تسلب إرادة القرار، وتُثير " التَنمُّر السياسي" بين المُتحالفين. في الوقت الذي تعززت علاقاتُ دولة قطر مع دول العالم، ودخلت في مراحلَ متقدمةٍ سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، وتبادلت دولة قطر التمثيلَ الدبلوماسي مع العديد من الدول الصديقة، وهي تحت الحصار. ولقد أعادَ سمو الأمير إلى الأذهان، موقفَ قطر الرافضَ للحصار وعدم شرعيته، مُبدياً – كما دعا في بداية الأزمة – فضيلة الحوار لحل الخلافات مع بعض دول التعاون، وفي إطار النظام الأساسي للمجلس، الذي وقّعت عليه الدول الست عام 1981، ويتصدر ذلك أربعةُ أُسسٍ هي: الاحترام المُتبادل، المصالح المشتركة، عدم الإملاء في السياسة الخارجية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. ونعتقد أن هذه الأسس الأربعة تُشكِّل الوعي الحضاري وخارطةَ طريقٍ لأي دولتين ينشأ بينهما خلافٌ، وفي أي وقت. وهذا موقفٌ واضح أكدت عليه دولة قطر منذ بداية الأزمة. وأشار سمو الأمير إلى متانة المسيرة الوطنية، على الطريق الاقتصادي، حيث ارتفع الناتج المحلي بنحو 15%، والناتج المحلي الهيدر كربوني بنحو 9%، مع المحافظة على إعادة التوازن في الموازنة العامة للدولة. واستعرض سموهُ المشاريع والسياسات التي تمت في السنوات الماضية، في تجاوز جَليّ لآثار الحصار الاقتصادية، على طريق تحقيق رؤية 2030. وركّز سموهُ في خطابه الشامل على دور الإنسان الذي اعتبره عماد النهضة، مُبدياً سموهُ رضاهُ لما وفّرته الدولةُ من خدمات ومستوى معيشي لائق، ما أدى إلى تعميق الشعور بواجب المواطنة تجاه المجتمع والوطن؛ مُعتبراً أن المواطنة تشمل حقوقاً وليس استحقاقات، وتلك إشارةٌ لمّاحة للواجبات على المواطن، وأهمية إتقان العمل، وتأديته لكل إخلاص وأمانة. وكما بدا سموهُ في المناسبات السياسية، وفي الحياة العادية، ودوداً، متواضعاً، مُحبَّاً للآخرين، فلقد ثمّنَ سموهُ أهمية الالتفات إلى هذه القيم، وعدم التعالي غير المُبّرر على الآخرين، مُبيناً: أن التواضع دليل ثقة بالنفس، واحترام الآخرين. وأن مسؤوليات المواطنة تتطلب أيضاً تقديرَ كُلِّ من كدَّ في بناء هذا الوطن، بما في ذلك، إخوانُنا المقيمون. وهذه إشارة مهمة لسلوك الفرد داخل مجتمعه، فالمسؤولية الوطنية تنبع من سلوك حضاري، وشعور انتمائي للوطن، أساسهُ التواضع وعدم رفض الآخر. كما تحدث سمو الأمير عن السياسة الخارجية لدولة قطر، ودور التواؤم ما بين قيم المجتمع ومبادئه، وبين المصالح الاقتصادية وأن الحوار والحلول العادلة، وتسوية النزاعات بالطرق السلمية، من أهم تلك المبادئ. وذكّرَ سموهُ بمداولات الأمم المتحدة، خلال الدورة الرابعة والستين للجمعية العمومية للأمم المتحدة، في نيويورك هذا العام، وأهمية تحقيق الأمن والاستقرار في العالم على أساس الطرق السلمية، وإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، دون استثناء!؟ وهذه الأخيرة، إشارة واضحة إلى ضرورة تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بهذا الموضوع على جميع الدول التي تنطبق عليها القراراتُ الدولية. وتطرّق سموهُ إلى القضية الفلسطينية، وضرورة إقامة الشعب الفلسطيني لدولته على أساس حدود 1967، والقدس عاصمة الدولة، تطبيقاً للمبادرة العربية. وحذّر سموهُ من تطبيع العلاقات مع إسرائيل، دون حلٍ عادل للقضية الفلسطينية، حيث اعتبر الحلّ دون حل القضية مجرد سراب!؟ وأوضح سمو الأمير موقفَ دولة قطر إزاء الأحداث في سوريا، وضرورة إيجاد حلٍ سياسي تفاوضي بين كل الأطراف السورية وفقاً لبيان جنيف (1)، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2254) ؛ مُجدّداً رفض دولة قطر للقرار الإسرائيلي الرامي إلى تكريس احتلال إسرائيل لهضبة الجولان السورية. كما عرجَ سموهُ على النزاع في اليمن، مُعيداً أهمية الرجوع إلى المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، والقرار الأممي رقم (2216)، وعدم التدخل الخارجي في الشأن اليمني. كما تطرق سموهُ إلى الأوضاع في بعض البلاد العربية، مثل: ليبيا والسودان. خطابٌ صريح وجريء وواضح، لخّصَ فيه سموه الوضع القطري المحلي، ونهجَ الدولة في مواجهة الحصار، دون أن يتأثر الاقتصاد أو يهتز الناتجُ المحلي. خطابٌ تجلّت فيه روحُ المسؤولية، والمثابرة والوضوح، في القضايا الإقليمية والدولية، وهذا هو شأن دولة قطر، التي تؤمن بحقِّ الشعوب في تقرير مصيرها، وترفض أيَّ تهديد أو تدخّل في الشؤون الداخلية لأية دولة، وأن العلاقات بين الدول، إنما يجب أن تقوم على المصالح، ولكن دون تفريط في المبادئ، كما أن أقدار الشعوب ليست " لعبةً" في يد السياسيين، بقدر ما هي مسؤولية السياسيين، في حفظ مقدرات الشعوب، وضمان الحياة الكريمة لتلك الشعوب.