18 سبتمبر 2025

تسجيل

المقال الذي يجب أن يقال !

13 نوفمبر 2019

لأن غدا هو آخر يوم من اسبوع مر متعباً على الأقل بالنسبة لي، ولأنه يوم نبدأ فيه بالتجمعات الأسرية والالتفاف حول بعضنا البعض ممن نفتقد وصالهم كان علي أن ألتفت لكتابة هذا المقال الذي كتبت فكرة عنه في مقال قديم لي، وأنا أسرد لكم قصة العينين اللتين أطلتا علي من خلف ظرف أنيق قبل أسبوعين على صفحة مجلة دورية لدار المسنين في قطر، وكيف اسهبت في مقالي ذاك حول البر بهؤلاء العجزة الذين لا معين لهم ولا معيل سوانا ؛ أحسست بأن علي أن أعيد الكرة عليكم اليوم وأنا أرى اليوم احتفالاً مبسطاً تقوم به إدارة الدار لهؤلاء للترفيه عنهم، فنظرت إلى تلك الوجوه الطيبة التي كانت في منتهى الحنان.. وجوه ترى في ملامحها النور الذي بات مفقوداً في كثير من الوجوه.. ورؤوس اشتعلت شيباً وظهور منحنية وأقدام عاجزة ونظرات تائهة وأيد ترفع إلى السماء فتتمتم الشفاه بما يجول بخاطر صاحبها.. هؤلاء هم شيوخنا الكبار الساكنون في المؤسسة القطرية لرعاية المسنين هنا بالدوحة.. هؤلاء الذين تناسى بعض أبنائهم آباءهم وغفلت عنهم الدنيا فلم تمنح لهم من اهتمامها شيئاً.. أولئك الذين تجثو الجنة تحت أقدامهم ونرى طاعتهم جهاداً ومحبتهم أجراً.. ولكن وليت حرف الاستدراك يغيب عني قليلاً.. كيف نحن مع آبائنا؟!.. كيف كان رد الجميل إليهم؟!.. ترى كم منا (رمى) والديه في دار العجزة ونسى.. نسى إنه كان في يوم من الأيام جنيناً حمله بطن حنون دافئ حميم تحفه المحبة لتلك النطفة الغالية في أحشائها.. نسي إنه كان طفلاً يلعب فتراقبه عين لا تنام إلا بعد أن يغمض عينيه في حضن صاحبتها ويأكل قبل أن يأكل والداه كيف لا وهو الطفل الغالي الحبيب قرة أعين والديه؟!. كان يلهو وقبل أن تغافله سقطة ما كانت ذراع والدته أسبق إليه من الأرض فتضمه تهدئ من روعه..تناسى لعبه مع والده في الليالي الطويلة وإعطائه من حنانه ورعايته وماله الشئ الذي لا تستطيع الكلمات أن تفي به.. نسي كل ذلك واليوم ينكر ما قدم والداه له.. كبر وكبر شأنه معه فلم تعد (العجوز) أمه مهمة له ولا (الشيبة) أبيه يعد شيئاً في حياته!.. ظن انه بدونهما سيكبر وسيحقق ما يريده.. وغفل عن برهما والاهتمام بهما وأحبا يوماً أن يلتفت لهما وألحا عليه.. يا ولدنا أن لنا حقاً لديك ونريده.. نريد وجهك لنراه ونقبّـله.. نريد حضنك ليخفف من ارتجاف أوصالنا الهرمة.. نريد صوتك يعزف على أوتار حرماننا ما فقدته منذ أن كبرت وعلا شأنك!.. لا تنسانا فاننا لم ننسك!.. ومع ذلك كان جزاؤهما دار المسنين ليجدا في الجدران الصماء ضالتهما وفي أقرانهما (الونيس الوفي) الذي يفتقدانه فيه.. ونسيت.. نسيت يا هذا إن لك أماً تدعو الله في ردهات الليل المظلمة أن تلقى وجهك قبل أن تلقى وجه ربها الكريم.. نسيت ان لك أباً ينظر بحرقة إلى كتفيه العاريتين الباردتين ويحلم أن تربت كفك الدافئة عليهما فتخفف من وحشتهما ولكن استعظمت عليهما أن يريا أحلامهما واقعاً وانجرفت وراء عائلتك الكبيرة ومشاغل الدنيا – هكذا يبررون تقصيرهم – ولم يعد لك أب أو أم إلا حين تطرح شركة أو بنك أسهماً وتأتي (لتسرق) فرحتهما بفرحة آثمة مخادعة وبعدها تغيب كما تغيب الشمس عن جنوب وشمال الكرة الأرضية سنين ولا تشرق إلا بظهور أسهم جديدة !!.. ويلك.. ما الذي تفعله وفعلته.. أبوك وأمك.. جنتك ونارك.. برأيك هل ترى في ولدك شيئاً منك ؟!.. لذا دعوا السهرة تحلو بوجود كباركم لكي يتعلم صغيركم مستقبلاً كيف يسعد بالسهر معكم. فاصلة أخيرة: انظر جيداً ودقق أكثر فابنك يملك طفولة حلوة مثل طفولتك، لكنك بالتأكيد تملك مستقبلاً مثل والديك!. [email protected]