15 سبتمبر 2025
تسجيلجاء الخطاب السامي لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى في دور الانعقاد الثالث والأربعين لمجلس الشورى شاملاً وجامعاً لما يجيش في قلوب القطريين المخلصين ، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي.ولعل أهم ما يمكن التوقف عنده في ذاك الخطاب الشامل هو إشارة سمو الأمير الواضحة إلى "الحرص على المراجعة، على ضوء تقييم النتائج على أرض الواقع"، وهذا شأن الدول الناجحة التي لا تضع الخطط أو تصدر القرارات وتدعها في معية الأقدار!. لأن الظروف قد تختلف عند تطبيق الخطط أوتنفيذ القرارات، ولا بد وأن تساير تلك الخطط والقرارات متابعات تقديرية، تقف عند شكل ومستوى النتائج، ومدى قربها من الأهداف، تلافياً للأخطاء أو حلاً للمعوقات التي تعترض المسيرة. فدوماً، يظل التقويم من الأسس العلمية الناجحة لاختبار الخطط وتقييمها، في أي مجال وليس في مجالات التنمية فحسب. وبرأينا المتواضع، فإن إشارة سموه إلى هذه النقطة في بداية الخطاب، إنما هو توجيه واضح لمدى حرص القيادة على أهمية المراجعة، وتصحيح بعض الهنات إن وجدت. وهي في ذات الوقت استكمال لخطوات إستراتيجية التنمية 2011-2016. ولم تفت سموه الإشارة الواضحة – وبكل شفافية – إلى أن بعض الجهات لم تستوف خططها التنفيذية، وهذا أيضاً مؤشر يُحسب للقيادة ، ويُنبه تلك الجهات إلى ضرورة القيام بأدوارها أسوة بالجهات التي "حققت بدايات إيجابية". وبحكم المسؤولية والرؤية الصائبة، حدد سموه نموذج التعامل مع الخطط التي تضعها الدولة، "إن الخطط لا توضع فقط لغرض إتمام الإجراء شكلياً، فهي توضع لتُطبّق"، وفي هذا توجيه أيضاً للجهات المعنية بضرورة تنفيذ أهداف الخطط التي تضعها، لأن المحاسبة ستكون حاضرة، و " يجب أن تعتاد مؤسساتنا بدورها على احترام الخطة الموضوعة والمحاسبة بناء عليها وعلى أهدافها". ذلك أن الأشخاص يرحلون، والوجوه تتغير، لكن الخطط والمشاريع تنمو وتكبر، ولا بد أن ترتبط الخطط بخطة الدولة الشاملة، كي تسير في النهج الذي اختطته الحكومة، حتى وإن غادر المسؤول كرسيه.هذا حديث من أحاديث الشفافية لم تعتدهُ الأدبيات السياسية في العالم العربي، الذي أدمنَ مواطنوه التهليل والتكبير لحرق المراحل، وللتضليل الإعلامي والسياسي.كما أدمنَ العديد من حكامه كلامَ الإشادة والإطراء والمبالغات والبعد عن الواقع، حتى اكتشفت الشعوب زيفَ كل تلك "الحماسيات" التي زادت الإنسان فقراً، وزادت البلدان تخلفاً.نحن نعتقد أن خطاب سمو الأمير الشامل، وإن تطرَّق إلى الجوار الإقليمي وتعزيز علاقة دولة قطر مع الأشقاء في مجلس التعاون، "وتعميق أواصر الأخوة بيننا مقدمة أولويات سياستنا الخارجية" وهي إشارة واضحة لواقع الحال "الملتبس" – ولن نخجل من ذكره – بين بعض دول مجلس التعاون وبين دولة قطر، استناداً إلى سحب بعض السفراء، وتداعيات ذلك على مسيرة المجلس، إلا أن سموه وضع النقاط فوق الحروف وحسم مسألة العلاقة مع دول مجلس التعاون.ونحن نؤمن بأن مجلس التعاون يجب أن "يُغيّر اتجاه البوصلة"، لأن العالم قد تغيّر، وأن سياسات الدول الأعضاء في المجلس لا يجب أن تكون نسخاً من بعضها، بل إن النظام الأساسي للمجلس لا يُلغي سيادات الدول. كما أن التطورات العالمية المتلاحقة تحتم أن تكون لكل دولة استقلالية في القرار، بل إن الممارسة على أرض الواقع أثبتت أن العديد من قرارات القمم الخليجية لا يتم الالتزام بها من قبل جميع دول المجلس!؟. ولا أدل على ذلك من تأخير تطبيق الاتفاقية الأمنية لأكثر من 30 عاماً، وكذلك تطبيق جميع بنود الاتفاقية الاقتصاية!؟. إن بريطانيا – على سبيل المثال- لم تلتزم بالعملة الأوروبية الموحدة، فلم تتم مقاطعتها، كما أن فرنسا طالبت باستثاء ثقافي في اتفاقية (الجات) لحماية مواطنيها من "تغوّل" الإنتاج السينمائي والتلفزيوني الأمريكي، رغم عضويتها في حلف الناتو وفي التحالفات السياسية والعسكرية الأوروبية الأمريكية. كما أن وجود قيادات شابة في مجلس التعاون تحتّم ذاك التغيّر، سواء في طريقة التفكير أم في أسلوب المواجهة والشفافية، الذي يجب أن يسود المداولات والنقاشات، وأيضاَ طرق صياغة القرارات، بحيث تكون ذات دلالة واضحة وتصيب عين الهدف.أوضح سمو الأمير موقف دولة قطر من الإرهاب؛ ورفض الدولة التطرف الديني "الذي يُسيء للدين والمجتمع" ، والنأي بالمجتمع عن تلك الممارسات المرفوضة "فلا نريد لأنفسنا ولأبنائنا أن يعيشوا في ظل مثل هذه الأفكار والممارسات"!. وتلك إشارة لماحة لكل الذين يستغلون الدين، ويلتحفونه شعاراً لتنفيذ أفكارهم الهدامة، للتغريز بالشباب، وإثنائهم عن القيام بدورهم الحضاري في التعلم وخدمة بلدانهم، والزجِّ بهم في أتون اليأس أو التواكل أو رفض نعمة الحياة من أجل الاصطفاف مع جيوش الظلام، وترويع الآمنين الذين يبنون أوطانهم، أو (قتل النفس التي حرّم الله)! وهذا موقف يسجل لسمو الأمير، بعد ازدياد موجات الظلام والتجهيل في العالم العربي، وازدياد موجة التشنج في الخطاب الديني، والعنف في الممارسة باسم الدين.ولقد تطرق سموه إلى الأوضاع السياسية في بعض البلدان العربية مثل اليمن، فلسطين، ليبيا، العراق، مختتماً خطابه الكريم بالإشارة إلى "بناء دولة المؤسسات والقانون لا بد له من إطار دستوري وتشريعي يقوم ذلك البناء على أساسه"، وهو أمر لا بد منه كي يتم اكتمال المنظومة التشريعية التي تساهم في أداء مؤسسات الدولة، وتحفظ حقوق المواطنين.خطاب نعتزُّ به، ويشكل نهجاً قويماً لمؤسسات الدولة، وخارطة طريق نحو قطر المستقبل.