27 سبتمبر 2025

تسجيل

مجتمع في مرآة ذاته

13 أكتوبر 2022

قبل أعوام ماضية لم تكن ظاهرة "الوطنية" تطرح على الوعي في مجتمعنا، فهي بمثابة المُسلم به، لم يكن هناك ثمة حاجة يستشعرها القطري لإثبات حبه لوطنه ولمجتمعه ولأرضه التي ولد وعاش عليها ومن خيراتها. جاءت الدولة لتنظيم المجتمع وهو أمر يعتبر مخالفاً لحركة التاريخ، حيث المفترض أن يتمخض المجتمع عن قيام دولة، في اعتقادي هذا أوجد فجوة بين الانتماء والبناء، الانتماء للمجتمع أم للدولة؟، بناء ما قبل الدولة أم بناء ما بعد قيام الدولة؟. احتاج الأمر لترميم هذه الفجوة إلى قاموس لغوي وشعري وخطابي وتاريخي، بل حتى وتلفيقي، وبدأ بالتالي أسلوب المزايدات في هذا القاموس، وحيث إن المجتمع لا يزال يعتمد اقتصادياً واجتماعياً على الريع، أصبحت مصطلحات الريع غير المنضبطة وغير القابلة للقياس أو الاختبار هي الشائعة والمتداولة في صياغة التراتيبية الاجتماعية في المجتمع، فالوطنية تزيد وتنقص، وتعطى وتُسلب، ووطني الليل، موضع شك في النهار، والقطري قابل للتفكيك وإعادة التركيب، والوجاهة مزاد، وخاضعة لمشاهدات وسائل الاتصال الاجتماعي وعدد المتابعين، والاندساس وسيلة مثلى، وشيخ الدين يحتاج إلى سناب شات والثقافة والفن أسيران لأسبقية الدولة، يحتاج الأمر إلى الوعي بأن السبب الحقيقي لاستفحال مثل هذه الظاهرة اليوم هو تمظهر الدولة بشكلها الساطع على المجتمع الأقل بريقاً والأخفت صوتاً، ما لم تترك الدولة مسافة بينها وبين المجتمع ليعيد صياغة نفسه بعيداً عن تأثيراتها الريعية ستزداد ظاهرة الصراع على الوطنية والوطني المتضخم وستفتقد الدولة حينئذ قدرتها على التطور لغياب النقيض الذي يدفعها إلى ذلك في حركة جدلية تاريخية هي بمثابة سنة التطور.