13 سبتمبر 2025

تسجيل

الشرّ الأوسط

13 أكتوبر 2015

لننظر إلى عالمنا العربي، النيران تشتعل في أفضل وأجمل بلادنا التي كان من الممكن أن تكون واحات سلام وينابيع فكر وأنهار حضارة تخرج منها روافع بناء للعالم العربي والإسلامي وللعالم أجمع، ولكن يأبى أرباب السياسة اليمينية المتطرفة والشوفينية والبراجماتية، إلا أن يرفعوا الشخصية المتطرفة والعقليات المريضة وتنظيمات الجهلاء إلى منصة المواجهة واعتبارهم أندادا للدول الكبرى، لتستمر الحرب بين طرفي العالم متقدة اللهيب، الولايات المتحدة العظمى بدأت هذه النظرية في نهاية السبعينيات ولا تزال تتخبط في حبالها، فيما التنظيمات المتطرفة لا تنتهي، وكلما مات جيل يخرج جيل جديد، والطرفان ينظران كل للآخر على أنه هو رب الإرهاب، فهل من نهاية.في نظرة متشائمة يبدو أن هذه هي البداية، ليس في سوريا فقط، بل في العالم العربي، بداية عصر سيئ لا مؤشر فيه إلى حرب عالمية ثالثة تحصد فيها عشرات الملايين من الضحايا كي يقول العالم كفى، بل إن العالم الإسلامي لوحده بات يتحمل مسؤولية أفعال مجموعات وتنظيمات انتشرت بناء على نظريات أمريكية قديمة فيما كان يراه الرؤساء السابقون في البيت الأبيض، "فالقاعدة" التي تحولت إلى العدو رقم واحد كانت هي القوة المدعومة من الولايات المتحدة لمواجهة التوغل السوفييتي في أفغانستان، والمدّ الشيوعي، ولكنها تحولت عبر ثلاثة عقود إلى جيش عصابات ينتشر حول رقبة العالم بشكل مخيف وبأسماء متعددة.إذا أساس المشكلة هي فيما تريده الولايات المتحدة، قائدة المعسكر الغربي، للعالم العربي والإسلامي، وما تريده منهم بعد ثلاثة عقود بدأت فيها مسيرة "السلام الإسرائيلي" تشق طريقها لتحقيق "شرق أوسط آمن ومستقر" يعيش فيه الكيان الإسرائيلي مطمئنا بأمن ورفاه ودعم من بركات واشنطن، ولكن النتيجة ألا أحد في الغرب والشرق الأوسط ولا في الحكومات الإسرائيلية يريد الاستقرار أو السلام، ولا التطور الحضاري والديمقراطية الحقة لهذه الأمة العربية الخالدة في خلافها وتشرذمها، فقد حوّلوا الشرق الأوسط إلى "الشرّ الأوسط"، وهكذا يرونه في الغرب وهكذا سيبقى. عندما تسمع الخطاب الذي يطلقه مناهضو "الإمبريالية ورأس الشر" من أقصى يسار اليسار إلى أقصى يمين التنظيمات المتطرفة والأصولية والإرهابية ابتداء من القاعدة الأم حتى داعش وتنظيمات حرب سوريا الجديدة والمغرب العربي وإفريقيا وأفغانستان وإيران، تجدها نسخة عكسية للخطاب الذي يطلقه الغرب الرسمي، من الرئيس باراك أوباما وقادته العسكريين والرؤساء الأوروبيين والروس، فالكل هو إرهابي في نظر الآخر، فيما لا خلاص على المدى المنظور وليس هناك من عملية كبرى يقضي طرف فيها على الطرف الآخر، بل إن رقعة الفوضى تتسع وتزداد أعداد الكارهين والمقاتلين لإرهاب الدولة الغربي كما يصنفونه.في سوريا كانت السنة الأولى كافية لتقييم الوضع واستخلاص النتائج والخروج بقرار حازم، إما التراجع عن مناهضة النظام والعودة إلى دعمه والتوصل إلى خطة سلام تتغير بناء عليها هيكلية النظام والحكم، لتدخل المعارضة طرفا في حكومة توافق حتى تعود البلاد للاستقرار ويتم التنافس على مقعد الرئاسة، أو اتخاذ قرار بإسقاط الرئيس الأسد بأي طريقة كانت كما جرى في العراق وليبيا وتونس ومصر من قبل، وحقن دماء المدنيين ومنع التشرد وتدمير البلد، ولكن حتى اليوم بعد أربع سنوات لا يجد أحد في العالم أي تصور للمخرج من المأزق. إن أهم الأسباب اليوم، كما يفهمها العالم الغربي وتشرحها إسرائيل، هي التنظيمات "الإسلامية الإرهابية" والتطرف الديني ونحن نغرد من خلفهم دون أي تصور لدينا كيف نغير هذا الفهم وهذا الحال، فمن هو الإرهابي ومن هو المقاتل عن حقه، ومن هو الباحث عن حريته وعن مستقبله الأفضل، ومن غزى من، ومن بدأ المعركة؟ كل تلك الأسئلة لم تعد تهم أحد للإجابة عنها، والسبب هو الرغبة في المزيد من القتل واستخدام الأسلحة، لأن الشرق العربي هو "الشرّ الأوسط"، لأن فيه "عقول دمار شامل" وشباب متعطش لقتال الأنظمة الدكتاتورية وقتال الجيش الإسرائيلي بالحجارة والزجاجات الحارقة، ولا أحد يستطيع من كل أولئك.لقد نسي العالم الغربي المتحضر أن حروبه العالمية الأولى والثانية لم تصنع له السلام، بل ما يصنع السلام هو القبول بالآخر، العربي والمسلم وبدينه ومعتقده وتقاليده وخصوصياته الاجتماعية، وليس تنفيذ الرؤية الغربية بالقوة العسكرية وتدمير بلاد كانت شمسا تشع بالحضارة على هذه الكرة الأرضية، حين كانت أوروبا المتحضرة تغرق في الظلام الكنسي وتسبح في أنهار الدماء التي تسفك بسيوف الأباطرة وجيوشهم تحت بند سلطة الحاكم المطلق والملوك الآلهة والحروب الدينية المقدسة بمباركة الباباوات.