20 سبتمبر 2025
تسجيلالتخطيط الاستراتيجي ليس مفهوما حديث النشأة. ولكنه قديم قدم وجود الإنسان على سطح الأرض. حيث كان يمارسه الإنسان البدائي بشكل فطري مثل تخزين الطعام استعدادا لشتاء شديد البرودة في المناطق الباردة ، أو استعداداً للجفاف في المناطق ذات المطر الموسمي. وبذلك مر التخطيط الاستراتيجي بعديد من الراحل عبر العصور المختلفة حتى وصل إلى ما هو عليه الآن كعلم وتخصص مستقل قائم بذاته في كليات التجارة وإدارة الأعمال ومعاهد ومراكز التخطيط بأشكالها وأنواعها المختلفة. وفيما يلي نبذة تاريخية عن تطور التخطيط الاستراتيجي عبر العصور : 1- البدايات الأولي للتخطيط الاستراتيجي : كانت البدايات الأولى للتخطيط الاستراتيجي عسكرية الشكل حيث كان يقوم به القادة والملوك أثناء حروبهم ومعاركهم. ويعد المصريون القدماء أول من استخدم الخطط العسكرية ضد أعدائهم "استخدمه تحتمس الثالث في معركة مجدو ضد الشعوب الآسيوية. كذلك استخدم رمسيس الثاني التخطيط الاستراتيجي العسكري ضد الحيثيين في معركة قادش ". ولكن الحضارة اليونانية هي أول من صاغ كلمة الإستراتيجية (Strategic)التي كانت تعني علم قيادة الحرب. وكانت هذه الكلمة تتضمن داخلها خصائص القائد العسكري القادر على التخطيط لإدارة المعركة. والذي يستطيع تغيير استراتجياته حسب الظروف المحيطة والقوة العسكرية المقابلة له. استمر المفهوم العسكري للتخطيط الاستراتيجي أيضاً في العصور الوسطى على هيئة خطط مستقبلية يضعها الإقطاعيون حتى يستطيعوا ممارسة السلطة الإقطاعية على الأشخاص بشكل مستمر وبأساليب عسكرية مختلفة، في حين كانت الدولة تضع خططها الاستراتيجية لتمارس سلطتها على الأرض، وكان على الملك أن يعرف إلى أي حد تمتد سلطته. ثم كان عليه أن يقيم جبهة "للمحافظة على الحدود" ليحمي نفسه من التهديدات الخارجية. فالأرض المحددة بحدود، هي إذن مشاركة من قبل تابعيه في الدولة، من حيث الجوهر، وتدار الدولة من قبل عائلة أميرية، أسست قوتها على الحرب وعلى وسيلتها: الجيش وتحت خطة استراتيجيه يضعها القواد والملك للدفاع عن مملكته ضد أي عدوان متوقع. واستمر المقصود بالتخطيط الاستراتيجي فن قيادة المعركة هو السائد حتى منتصفات القرن العشرين. عندما تحول التخطيط الاستراتيجي من مفهوم يدل على الحرب وقيادة المعركة والتخطيط للدفاع والهجوم إلى مفهوم يدل على وضع الخطط المستقبلية في أي جانب من جوانب المجتمع سواء العسكرية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو التعليمية.2- تطور مفهوم التخطيط الاستراتيجي : ومع بدايات النصف الثاني من القرن العشرين تغير مفهوم التخطيط الاستراتيجي وتحول من مفهوم يعبر عن التخطيط العسكري إلى مفهوم أعم وأشمل يعبر عن التخطيط لأي مجال من مجالات الحياة. ويعد معهد الدراسات الإستراتيجية بلندن أول من استخدم المفهوم الواسع للدراسات الإستراتيجية وذلك في عام 1958م. وهكذا برز مفهوم التخطيط الاستراتيجي ابتداء من خمسينات القرن العشرين على أيدي رجال الأعمال وعلماء الإدارة والمعاهد المتخصصة. ويعد الرئيس الأمريكي ليندون جونسون (1908-1973م) الذي تولى الرئاسة عام 1963م بعد اغتيال جون كنيدي أول من اصدر توجيهات بتطبيق التخطيط الاستراتيجي في كافة الأجهزة الحكومية بالولايات المتحدة الأمريكية وذلك في عام 1965م تحت اسم "نظام التخطيط والبرامج والموازنة" وفي نفس حقبة الستينات أدخلت أغلب كليات إدارة الأعمال منهج التخطيط الاستراتيجي ضمن مقرراتها تحت اسم "السياسات الإدارية" وظل كذلك إلى أن استبدل ذلك بمفهوم التخطيط الاستراتيجي قبل نهاية الستينات. وفي نفس حقبة الستينات انتقل مفهوم التخطيط الاستراتيجي إلى أوربا ثم باقي دول العالم. في عام 1976م تم عرض مفهوم التخطيط الاستراتيجي على انه مفهوم شامل لا يقتصر على النواحي العسكرية أو السياسية أو الإدارية.. وفي عام 1991 اصدر مجموعة من العلماء كتابا بعنوان" الاستراتيجية : التخطيط الاستراتيجي" توصلوا إلى أن تحديد الأهداف وصياغة الاستراتيجية ينبغي أن تتم من منطلق الزبائن والسلعة والقيمة المضافة وليس من منطلق التغلب على المنافسين وذلك لاستمرارية النمو والتطور ضمن البيئة العالمية الجديدة. وبذلك يمكن اختصار مراحل تطور التخطيط الاستراتيجي عبر العصور فيما يلي :- في التاريخ القديم كان التخطيط الاستراتيجي يستخدم كمرادف للخطط العسكرية والحربية.- في العصور الوسطى أصبح الدين هو المخطط الاستراتيجي بما يتناسب مع معتقداته سواء الديانة المسيحية فئ أوربا أو الديانة الإسلامية في الشرق. بمعنى أن التخطيط الاستراتيجي اصطبغ بالصبغة الدينية.- مع منتصفات القرن العشرين أصبح التخطيط الاستراتيجي اشمل واعم بحيث اشتمل على النواحي العسكرية والسياسية والإدارية.- مع نهايات القرن العشرين أصبح التخطيط الاستراتيجي المفهوم الذي يستخدم للاستعداد المستقبلي لكافة شؤون الحياة.- بدايات القرن الحادي والعشرين دخل التخطيط الاستراتيجي في كل المستويات الحكومية والخاصة ولذلك أُضيف لمفهوم التخطيط الاستراتيجي كلمة "اللامركزي".سمات التخطيط الاستراتيجي :- لا نريد الخوض في المتاهات التعريفية التي يتقلب فيها مفهوم التخطيط الاستراتيجي بين أيدي الأكاديميين، ولكننا سنكتفي بعرض أهم سماته التي تتبين منها أهميته في حياة الجيوش وحياة الإدارات المدنية، وحياة الأفراد، ومن أهم هذه السمات : - التخطيط الاستراتيجي علم وضع الخطط المستقبلية على أسس علمية لمواجهة التحديات المستقبلية المتوقع حدوثها بناءً على تحليل الوضع الراهن.- التخطيط الاستراتيجي معني بالمستقبل.- التخطيط الاستراتيجي وسيلة لتنشيط التفكير والتصرف من أجل القيام بعمل معين.- التخطيط الاستراتيجي عملية مستمرة ودائمة : فلا يمكن أن تكون الجهود المبذولة لعمل الخطط الإستراتيجية بمثابة نشاط لفترة زمنية واحدة أو لها بداية ونهاية. بل يجب أن تكون عملية مستمرة تتراكم فيها الخبرات، ويتم تطوير هذه الخبرات من خلالها وذلك كاستجابته للظروف الخارجية التي لا تتوقف عن التغيير.- التخطيط الاستراتيجي مرن : حيث يمكن التعديل في الخطط الإستراتيجية حسب المتغيرات البيئية والظروف الطارئة. ومن ثم يجب أن تظل الخطط والأدوات التي يتم عن طريقها تنفيذ تلك الخطط للوصول إلى أهدافها ومراميها في حالة تعديل وتنقيح مستمر.- التخطيط الاستراتيجي لامركزي: بمعنى عند وضع الخطط الاستراتيجية يجب مراعاة الظروف المحلية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمع الذي يتم فيه وضع وتنفيذ الخطط الإستراتيجية.- التخطيط الاستراتيجي عملية توجيهية.- التخطيط الاستراتيجي يتطلب الانضباط التام والالتزام والدقة في تحليل البيانات ووضع الأهداف.- التخطيط الاستراتيجي يعبر عن القيادة وفنون الإدارة.- ومن هنا يمكن الوصول إلى تحديد مفهوم للتخطيط الاستراتيجي على أنه " عملية تصميم تصور مستقبلي لتحسين الوضع الراهن لمؤسسة ما من خلال تحديد الأهداف المستقبلية ووسائل تحقيقها. في ظل خصائص البيئية المحلية للمؤسسة والمتغيرات الدولية التي يمكن أن تتأثر بها لإعداد مواطن إيجابي وفعال".