12 سبتمبر 2025
تسجيلكما هو معروف أن منطقة الخليج والجزيرة العربية منطقة صحراوية قليلة الأمطار، وأذكر عندما كنا صغارا أننا في موسم الأمطار كنا نضع الأواني في فناء المنزل كلما تلبدت السماء بالغيوم لعلها تمطر فتملأ أوانينا بالماء العذب المبارك، كان البعض يتكاسل عن الذهاب لإحضار إنائه ويكتفي باللعب تحت المطر إذا ما أمطرت، ثم تجده يستجدي الأطفال الآخرين ليعطوه شربة ماء من أوانيهم الممتلئة. عندما أفكر في تلك الفعالية العفوية البسيطة في مرحلة الطفولة، أجد لها دلالات عميقة جدا لم أكتشفها وأسبر أغوارها إلا بعد انقضاء زمن طويل لي في العمل، ومما ارتبط بتلك الفعالية في مخيلتي هو أن وضع الإناء يمثل حالة الاستعداد للفرصة، لذلك يجب أن يوضع الإناء مقابل السماء، فمن يضع الإناء مقلوبا على فمه لن ينتفع من أي فرصة لسقوط المطر. كذلك العقول المقلوبة لا يملؤها غيث العلم، ولا ينفع معها كثرة الاطلاع والمحاضرات ولا الشهادات، مفتاح المعرفة هو أن تفتح عقلك وقلبك وتستقبل وتنهل بوعي تام من معين العلم والمعرفة، لذلك عندما أرى حال بعض المتعلمين وحملة الشهادات العليا أتذكر أولئك الأطفال الذين اكتفوا باللعب تحت المطر وتبللت ثيابهم ولكن لم يشربوا منه ولم يعرفوا طعمه. ونجد البعض يردد اليوم أن فلانا محظوظ لأنه حصل على المنصب الفلاني، وفلان محظوظ لأنه فاز بالشيء الفلاني، وهذا تعريف غير وافٍ لمعنى الحظ والمحظوظ؛ فقد تعلمت من أواني المطر أن الحظ هو التقاء الفرصة مع وجود الاستعداد، ففي كل يوم هناك فرصة ما، تلك الفرصة ستذهب لمن هو أكثر استعدادا وليس لمن هو أقدم في مكان عمله مثلا. سألني أحد أبنائي يوما ما، وكان متأثرا ببرامج إحدى قنوات الأطفال المشهورة، سألني عن الرابط العجيب بين العقل والمظلة، فقلت له بكل حماس وثقة أن المظلة تحمي العقل من أشعة الشمس، فقال لي جوابك خطأ! وأردف قائلا قبل أن يعطيني فرصة أخرى، العقل يا والدي مثل المظلة لا ننتفع به إلا إذا فتحناه.