11 سبتمبر 2025

تسجيل

العودة إلى مدارس المجالس

13 سبتمبر 2020

تعتبر المجالس من أساسيات الحياة الاجتماعية في المجتمع القطري قديماً وحاضراً، حتى قال عنها أجدادنا وآباؤنا: إن "المجالس مدارس"، فهي ليست أماكن للتسلية ولتمضية الوقت فقط، وإنما كانت وما زالت منتديات تربوية وتثقيفية واجتماعية وأدبية تتواصل فيها الأجيال وتُنقل من خلالها الخبرات والمعارف ويربى النشء على القيم والعادات والتقاليد الحميدة والحسنة. ويحزنني كثيراً ما آل إليه حال الشباب من قلة معرفة بأبسط أمور ما نسميه باللهجة القطرية "السنع"، فترى الشاب لا يفقه أدبيات الجلوس في المجالس، فتراه يضع رجلاً على رجل وأمامه من يكبره بعشرات السنين أو لا يعطي كبير السن حقه من الاحترام والتقدير سواء في المجلس أو حتى عند مراجعته له في العمل بأسلوب بعيد كل البعد عن أدبيات وثقافة وعادات وقيم المجتمع القطري المحافظ على هويته وتراثه، وكذلك ترى الشباب مثلاً لا يحسنون التواصل عند السلام وإلقاء التحية وهو ما يسمى "بالتحفي"، فتسأل أحدهم "شلونك أو شحالك يا فلان"، فيرد عليك "زين" أو "تمام" أو "بخير" فقط ويصمت، وكل هذه التصرفات تجسد من ناحية مدى ابتعاد الشباب عن تواصلهم الاجتماعي وارتباطهم الثقافي والمعرفي بعادات وتقاليد مجتمعهم، ومن ناحية أخرى تظهر إهمال الآباء القيام بدورهم في التوجيه والتعليم لأصول اللباقة وحسن التصرف بكياسة وفطنة في المواقف الحياتية المختلفة، فالعادات والموروثات الشعبية تتناقل بين الأجيال من خلال التواصل والتوجيه والتربية. قد يقول البعض إنه ليس بالأمر الجلل أن نحفظ أو نتقن كيف نلقي التحية أو نرد عليها وهو أمر بسيط لا يحتاج أن نبالغ في تعظيمه ونجعله سبباً من أسباب فقدان الهوية المجتمعية، ولكني أخالف هؤلاء الرأي، فموروثاتنا الشعبية وعاداتنا وتقاليدنا هي هويتنا وهي مصدر اعتزازنا وفخرنا كمجتمع قطري مسلم ومحافظ، فلا تجب الاستهانة أو التساهل أو إغفال أهمية المحافظة والتمسك بهويتنا. لقد كانت المجالس وما زالت منابر نور ومعرفة وتعليم وتربية، فقد تعلمنا من خلالها أساليب التعايش القائمة على مبدأ التعاضد والتكافل والاحترام والتقدير، ومع هجمات الحضارة الغربية من خلال تكنولوجيا المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي وثقافاتهم الدخيلة على مجتمعنا أصبح أبناؤنا وبناتنا في غربة ثقافية ومجتمعية وباتوا يسلكون نهجاً يجرهم بعيداً في غياهب بحر متلاطم من القيم والسلوكيات الدخيلة التي تزيد من حدة انجرافهم بعيداً عن عاداتهم وتقاليدهم وموروثاتهم الشعبية. إذن ما الحل؟ في اعتقادي لابد من أن تكون هناك وقفة اجتماعية موحدة من خلال تفعيل دور المجالس سواء على مستوى العائلة أو الأحياء (الفرجان)، فلماذا لا يكون هناك مجلس لكل حي أو منطقة يجتمع فيه أهل تلك المنطقة أو الحارة يساهم في تعارف أهلها بشكل أكبر ويقوم بالدور الذي كانت تقوم به المجالس ويحافظ على موروثاتنا وقيمنا الشعبية، وتكون هذه المجالس تحت إدارة وإشراف لجنة من أهل الفريج يحرصون على دعوة جميع الساكنين في هذا الحي سواء قطريون أو مقيمون بالتواصل والمشاركة، مما سيعزز من التقارب والتعاضد بين أفراد المجتمع، ويسهم في المحافظة على الآداب والسلوكيات الحميدة بين أبنائنا وشبابنا. وختاماً يجب على الأعلام أن يقوم بدوره من خلال التوجيه والتوعية والتشجيع، فنشر صورة نمطية لآباء وأبناء وأصدقاء يجلسون في مجلسهم أفضل ألف مرة من نفس الصورة لهم في المقاهي والأسواق.