07 أكتوبر 2025

تسجيل

تهمة الكتابة

13 سبتمبر 2020

سألته لمَ توقفت عن الكتابة؟! قال لأن شرط ترقيتي في العمل كان يعتمد على توقفي عن الكتابة، وفعلا لما لم أعد أكتب ترقيت ولحقت بأصحابي. هذا ما قاله لي أحد الإخوة عندما سألته عن أخيه الكاتب ولمَ لم يعد يكتب؟. هل صحيح أن الكتابه خطر على الوظيفة؟ أو أن الوظيفة لا تتفق مع الكتابة، حيث لا تحتمل الرأي؟. هذه مشكلة فعلا، حينما لا تكون الصحافة سلطة قائمة بذاتها، يضطر بعض الكُتاب الى الجلوس على مائدة الغير في ازدواج رهيب بين الرجاء والأمل، بين المسؤولية ولقمة العيش. عندما يرتبك المجتمع في تقييمه للكاتب بين وطني وباحث عن المتاعب، "ومحد راح ينفعك خليك بحالك أحسن"، ثمة إحساس بعدم الجدوى وبالعدمية أمام الوضع المعاش. عندما تفقد الكلمة أهميتها ومكانتها والتقدير اللازم لها، ماذا عسى ينتظر المجتمع بعد ذلك؟. الكلمة الصادقة والرأي الواضح المتجرد هما سلاح الوطن بكل أجزائه، وهما حماية للسلطة قبل المجتمع. عندما تكون ترقيتك على حساب رأيك وموقفك، تصبح التنمية تراجعا وإن كانت تحت أكبر شعار، وتصبح السلطة تسير بغير هدى سوى هدى المنتفعين، الذين يتبرأ كل منهم مما فعله يوم الدين، ويلقي باللائمة على رئيسه. الأسلوب القديم في التعامل مع أصحاب الرأي لم يعد مقبولا في هذا العصر، ولكن كون الكتابة يتيمة في مجتمعات الوليمة، ثمة أساليب أخرى منها التجميد، والعزل والتهميش... الخ. عندما يرضى المجتمع بأن يتحول الى مجتمع إمعات، يكون الطريق طويلا وشاقا أمامه ليشعر بحريته وبثقته بنفسه. عندما يشعر الكاتب بأن الكتابة تحول بينه وبين مستقبل أولاده كتهمة لاحقة لهم، ربما يفضل أن ينضم الى طابور الإمعات وينعم باستعارة الجهل والتطنيش على أن يشقى برأيه وبعقله. الاستبداد يبدأ بمصادرة الكلمة والرأي أو عدم الأخذ بهما طالما لا يشكلان خطرا ملموسا، وعند بداية شعوره بالانهيار يسارع الى طلبهما، هذا ما نشهده اليوم ولكن هيهات حيث تحولا الى فعل ولم يعد بالإمكان التعامل معهما على نحو ما سبق. لذلك الكتابة هي الدفاع الذاتي لجسم المجتمع السليم، والنقد من الداخل هو المضادات الحيوية لجسم المجتمع حين يمرض، الخوف من الرأي المختلف ضعف، والمسؤول الذي يحارب الموظف صاحب الرأي مسؤول يضحي بالمسؤولية العامة من أجل منصبه وضعفه، وإن بدا بحجم وبهيبة القياصرة، عندما تكون الكتابة تهمة سيعتذر الكثيرون. [email protected]