23 سبتمبر 2025
تسجيليشهد الكثير على أن تلفزيون قطر لم يكن كسابق عهده، من القوة الانتاجية البرامجية والفنية في السبعينات والثمانينات، كنا نعتقد أن الدورة الجديدة التي بدأت عام 2012 ستكون بثوب آخر وبصورة أفضل وأقوى، خاصة أن اتجاهها وأهدافها التركيز على العنصر الوطني في ادارة وتقديم واعداد البرامج والنشرات الاخبارية والحوارية والثقافية، والتي أثبتت وجودها الآن كوجوه وطنية قادرة على مواجهة الشاشة، وهذا ما لمس من خلال تلك الدورة الحالية، وهناك برامج تكتسيها الجودة في المادة والحوار، ولها مشاهدوها ومتابعوها، الا أن التكرار المستمر والاعادة المملة للكثير منها هما الصفة الغالبة التي طغت على معظمها فأضعف كيانها وقلب أوراقها الجيدة، فأردت محتواها وهزلت، كما قل مشاهدوها وكأنها تدور في دائرة واحدة مغلقة فلماذا؟!. ما القيمة والهدف من التكرار والاعادة؟ هل لسد الفراغات في عدم وجود برامج جديدة ومستحدثة؟ وأين الانتاج الفني القطري للمسلسلات العالية الجودة الاجتماعية والتاريخية التي كان يتبنى انتاجها التلفزيون سابقا؟ هل هي نتيجة قلة الامكانيات المالية التي تعتبر "الدينامو" المحرك لتسيير عملية التغيير والتطوير والتجديد، سواء في البرامج أو انتاج المسلسلات، وجذب المبدعين، والتي تقف حجر عثرة أمام عمليتي الابتكار والجذب؟ أم إنها نتيجة الاعتماد على التقنيات المستحدثة التي أصبحت عائقًا على العمليات الابداعية الانتاجية أم ماذا؟! فأهل مكة أدرى بشعابها، حتى نشرة الأخبار لم تسلم من التكرار في مادتها، ناهيك عن شكل الشاشة الثابتة التي تفتقد الحيوية في تطويعها بما يلائم المادة الاخبارية عفى عليها الزمن ولم يطالها التغيير والتجديد. وكما يقال هناك خطط ومقترحات للتغيير والتحديث والابتكار، ولكن العين بصيرة واليد قصيرة، لا توجد قنوات مالية مساعدة وداعمة للانتاج والابداع لتسييرها كما كانت سابقًا، فأين الادارة المسؤولة؟ اذن كيف تتطور البرامج وتستجد؟ أم إن التكرار المستمر أصبح ضماداً لسد الهوة المفرغة في قلة الانتاج، لا يمنع وجود برامج ذات جودة وقوة في مادتها وحوارها واعدادها كما هو البرنامج الوثائقي "البرواز" الذي يلقي الضوء على السيرة الذاتية لكبار الشخصيات وسرد حياتهم العملية، والبرنامج الاجتماعي "همسات نسائية" الذي يحاكي طبيعة المرأة بكل مناحيها الجمالية والصحية والأسرية وغيرها، والبرنامج الفكري والثقافي "نزهة العقول" الذي يقف عند نخبة فكرية وثقافية مجتمعية من خلال التجول بين رفوف مكتباتها وانتاجها، والبرنامج التقليدي التراثي "دانات قطرية" الذي يحاكي الماضي بكل مواصفاته بلغة الحوار، وهناك الكثير لا يسعنا ذكره، الا أن التكرار هو المعضلة التي تلتقي فيها جميع البرامج التي تعرض على الشاشة، نأمل مع الخطة الجديدة أن يتغير المسار وتتخلص الشاشة من التكرار الممل. فالتلفزيون يضم قدرات شبابية وكفاءات عالية، بمهنية ومهارات ذات جودة في طريقة الحوار والتقديم لغة وثقافة وإنتاجًا، لابد من الاستفادة منها في التغيير، فهناك برامج صنعتها المواقف السياسية والصحية وبرزت اجتماعيا وجماهيريًا، أثبتت كفاءة الشباب القطري في العمل التلفزيوني، كما هو برنامج "المسافة الاجتماعية" المتفاعل مع الأحداث الصحية (كوفيد - 19)، وبرنامج "الحقيقة" المتفاعل مع الأحداث والمستجدات السياسية، وكلاهما أثبتا نجاحهما، وقوتهما في الانتاج والحوار، والتفاعل وتحليل الأبعاد، كما يجب تسليط الضوء على الخبرات التلفزيونية الوطنية المتميزة المركونة والتي لها الدور في التأسيس والاستفادة منها كخبرات مشاركة في التوجيه التغيير والتطوير، ألا نتذكر برنامج "المائدة المستديرة" وبرنامج "حوار في قضية" و"مع أو ضد" وما لها من دور فعّال في طرح القضايا المجتمعية التي تتطلب الاثارة والمناقشة والحلول من الجهات المسؤولة، الآن نحن بحاجة الى مثلها لتسليط الضوء بالطرح والحوار حول ما يهم المجتمع من قضايا تناقش بالرأي والحجج، كما هي قضية المتقاعدين والتوظيف والطلاق والمديونيات والجرائم الالكترونية وبعض السلوكيات الدخيلة وغيرها، مع النخبة المتميزة من أهل الفكر والثقافة ومع الجهات المسؤولة بكل جدية وايجاد الحلول لها. إذن لا بد من الشروع في تكوين لجان دعم وتطوير لوضع النقاط على الحروف، وتغيير المسار في الخطط، وسد المسامات المفرغة، بشمولية وإبداع، برامج انتاجية ابداعية جاذبة بثوب آخر تخاطب الطفولة والمجتمع والثقافة والصحة والتاريخ والموروث وغيرها، ومسلسلات درامية كوميدية واجتماعية محلية ومسلسلات تاريخية مكثفة، فهل ستكشف لنا الدورة القادمة بما هو المأمول، خاصة في وجود قدرات شبابية ابداعية، وخبرات وطنية محنكة؟ أم سنعود بخفي حنين من التكرار والاعادة؟.