14 سبتمبر 2025
تسجيلتجاوزَ حصارُ الدول الأربع (المملكة العربية السعودية، دولة الإمارات العربية المتحدة، مملكة البحرين، ومصر) لدولة قطر الثلاثة شهور، ظهر خلالها الكثير من مشاهدِ وكلماتِ الكذب وتبادل الاتهامات وتشطير الأُسَر وضياع الممتلكات والاستثمارات القطرية في دول الحصار. كما أحدثَ الحصار قلقًا نفسيًا لدى العائلات المنتشرة في الدول الخليجية الثلاث، وصل في بعض حالاته أن حلّت الخصومةُ بين أبناء العمومة والخؤولة، في سابقة لم تحدث في تاريخ المنطقة. ولا نستبعد أنه في حادثة كهذه، أن يوجد مَن ينبري من له صلة بالموضوع أو من تم "استئجارهُ" كي يدحض آراء أي من الطرفين، ويؤيد الفريق الذي يدفع له! وهذه حتمية الغاية النفعية التي تعتمد على (الميكافيلية). أُخاطبُ اليوم أبناءَ الخليج، خصوصًا النخب الفاعلة وأصحاب الآراء النيّرة التي قادت مجتمعاتها إلى موارد التنوير وشواطئ المعرفة. * ماذا لو وضعنا كل ما جرى وراء ظهورنا، وتركنا الأمر لأهل السياسة كي يحلّوا القضية وفق رؤاهم؟ علمًا بأن من أخاطبهم ليس لهم رأي في القرار السياسي! * ماذا لو عملنا (جردة) أرباح وخسائر، ألا نكون كلنا خاسرين في قضية حصار قطر؟ فحتى الاتصالات خفّت بين الإخوة وأبناء العمومة، خوفًا مما يعتبره البعض "تضامنًا" مع دولة قطر، فتوقف البعض عن السؤال عن إخوانهم وخالاتهم وأعمامهم في الدول الأخرى. * ماذا لو وفّرنا حالات التشنج وموجات العداء بين "الأشقاء"، وسعينا بالكلمة الطيبة لتهدئة النفوس، بعبارات يُحتمنا تاريخنا المشترك وديننا الحنيف وتراثنا العربي الأصل؟ * ماذا لو صحا ضمير الكثيرين، ممن يُملى عليهم ما يقولونه أو ما يكتبونه في دول الحصار، ووقفوا للحظات وقفة حياد بين طرفي الأزمة! وسبروا أغوار الأسباب الحقيقة التي أدت إلى حصار قطر لثلاثة شهور؟ بعيدًا عما تقوله وسائل الإعلام! وقفة فيها من النزاهة والاعتزاز بالإنسانية والكرامة وتحكيم العقل! نحن ندرك أن "الشوفينية الوطنية" تنشط وتستفحل أثناء الأزمات، ويقوم الإعلام بـ"تثويرها" لتُصبح مهمة وطنية، يتسارع المتسابقون نحو نيل شرف أو "مكافأة" الموقف الإيجابي مع الدولة، وهذا حق لا ننكره، ولكنني أدعو إلى شيء من (الشفافية) والتساؤل: لماذا قامت دول الحصار بما قامت به يوم 5/6/2017؟ هل فقط لأن قطر تدعم (حماس)؟ وما هو أثر هذا الدعم على دول الحصار، بل ما هو خطر (حماس) على دول الحصار. وهل لعاقل أن يُصدّق مُبررًا كهذا؟ وهل فقط لأن قطر تُؤوي بعضًا من (الإخوان المسلمين)، وهي التهمة البارزة في البيانات والفرمانات التي تصدر بعد كل اجتماع لوزراء دول الحصار الأربع، متناسين أن (الإخوان) قد حكموا مصر عبر صناديق الاقتراع، ولو قُدّر أن يستمر حكمهم، ولم يحلّ الانقلاب عليهم، فإن دول الحصار الخليجية سوف تتعامل معهم تعاملها مع أي دولة ذات سيادة، ولسوف تستقبل سفراءَهم ورؤساءهم جريًا على العادة الدبلوماسية! فلماذا يتهمون قطر بمجرد سكنى أفراد فيها، قد تتعرض حياتهم للخطر لو عادوا إلى بلادهم؟! ثم ما هو تأثير أفراد قلائل من (الإخوان) على دول الحصار؟ وهم مدنيون ولا يمارسون أي فعل سياسي أو تنظيمي أو عدائي تجاه أحد، بل إنهم يؤدون أعمالهم حسب العقود المبرمة معهم. ثم إنه يوجد في بعض دول الحصار من الجماعة ذاتها، ويمثلون الشعب في البرلمان، دون أن يُوجّه أحدٌ لهم أي تهمة أو انتقاد! * ماذا لو تساءل أهل الحصار ومعهم النخب: إلى متى سوف يستمر حصار قطر؟ وما هي الفوائد التي ستجنبها شعوب دول الحصار من ذلك؟ بل ماذا جنت هذه الشعوب خلال الشهور الثلاثة الماضية؟ هل انخفضت لديها أسعار المواد الاستهلاكية؟ هل نُفذّت مشاريع الإسكان الموعودة؟ وهل خفّفت تلك الدول فواتير الكهرباء والماء أو ألغتها عن شعوبها؟ إذن من حق تلك الشعوب أن تتساءل: ماذا جنينا من حصار دولة قطر؟ وإذا كانت صرامة الإعلام وعسكريته تمنع مثل هذه التساؤلات، فإن المجالس (خافتة الصوت) لا شك يتساءل أهلُها مثل هذه التساؤلات! * ماذا لو فكّر عقلاء الأمة في الخليج: هل تستطيع دول الحصار محوَ قطر من الخريطة الدولية؟ أو قَطْعَ قطر من موقعها الجغرافي وسحبها إلى شرق نيوزيلندا أو غربي ألاسكا؟ وهل بإمكان دول الحصار إبادة الشعب القطري -على طريقة العم سام في أمريكا مع الهنود الحمر- وحرق إنجازاته ومحوها من التاريخ الدولي؟ ثم لمصلحة مَن يحدث ذلك؟ ثم ماذا لو وضع أهلُ الخليج أنفسهم مكان الشعب القطري؟ هل يرضى القطريون أن يحلّ بهذه الشعوب ما حلّ بالقطريين؟ أنا متأكد مليون مرة أن الشعب القطري لن يرضى بأية إهانة أو عَسف يحل بأي شعب من شعوب الخليج، بل وأي شعب من شعوب العالم، لأن السياسة القطرية والشخصية القطرية، لم تعاصر العنف أو تمارس العدائية والكراهية على مدى التاريخ، بل مدّت الأيادي إلى أقاصي العالم للمساعدة ورفع العَسف عن الشعوب، سواء كان ذلك العَسف ماديًا أم طبيعيًا. ومن هذا المنطلق، وبعد أن (تأتي الفكرة) ولو بعد حين، سوف يكتشف أهل الخليج أنهم كانوا ضحية لعبة (الأنا) المتضخمة بين بعض حكام المنطقة الجُدد، ودولة قطر، التي يغارون منها كثيرًا. * ماذا لو حدثت حادثة كبرى في المنطقة، وغاب عن الدنيا أحدُ كبار المُحاصِرين لدولة قطر؟ وتغيّر توجّه النظام في ذاك البلد؟ بل ماذا لو انفك تحالف الحصار نتيجة أحداث عسكرية تجري حاليًا في اليمن وما حولها؟ ما هو مصير كل تلك القنوات التي لفقت الأكاذيب، والأقلام المُرتَزقة، والمغردين، والسياسيين الذين مارسوا الكذب؟ أليس هذا احتمال وارد، خصوصًا وأن حربًا -تحت الرماد- تستعرُ في بعض بلدان الحصار، نتيجة تجاوزات واختلالات سياسية مسّت "العرش" وهو "مقدس"، ولم يُمسّ على مدى التاريخ! * ماذا لو لم تُسجّل المملكة العربية السعودية سابقة تاريخية في منع الحجاج القطريين وهي شعيرة دينية مقدسة، لا يجوز لأي كائن التحكم فيها وغمسها في طبق السياسية؟ وماذا سيحدث لو وقع هذا المنع ضد أي من دول الحصار؟ هل سيُكممون أفواه رجال الدين والفقهاء والخطباء عن الحديث عن حق إلهيّ، على المسلمين في أداء الركن الخامس من أركان الإسلام! وإن سكتَ رجال الدين والفقهاء والخطباء، كيف سيقابلون ربَّهم الأعلى، وقد أمرهم رسوله صلى الله عليه وسلم أن "من أعظم الجهاد كلمة حق أمام سلطان جائر"؟! * ماذا لو فكّر أهل الخليج.. لمصلحة مَن لو قامت حرب في المنطقة؟ وها هي الحرب في اليمن تجاوزت عامين ونصف دون أن "تَحسِم" الأمر في اليمن، بل إنها دخلت في تعقيدات أكثر، لها آثار مُدمرة على اليمن وعلى السعودية على السواء. ثم ما هي نتائج تواجد الأساطيل الأجنبية في مياه الخليج؟ خصوصًا في ظل "توتر" أمريكي إيراني، في مقابل عودة الدفء "المأمول" للعلاقات السعودية الإيرانية! وأخيرًا، ماذا لو عاد الوعيُ إلى حُكام دول الحصار، وساءَلوا أنفسهم: "هل من الكياسة والتحضُّر حصار دولة شقيقة، بدلًا من أن نشدَّ على يد حُكامها لتحقيق المزيد من الرفاهية لشعبهم، ونلتفت نحن إلى رفاهية شعوبنا؟".