13 سبتمبر 2025

تسجيل

يا ميتاً علمني

13 سبتمبر 2016

الفواجع ليست سيئة في مضمونها ولكنها بلا شك سيئة في شكلها فهي تخبرنا بما لا نود سماعه وتنقل لنا أحداثا تحزننا وتغضبنا ولنا في التاريخ مواعظ كثيرة ليس المجال هنا لذكرها وسردها. ولكل منا فواجع في حياته تبدأ بخبر وتنتهي بقصة لها أحداث ما قبل وما بعد فتسكن ذاكرتنا بمرارتها ولكن عقولنا تستوعب حكمتها وفوائدها وعندما أعود لقصتي لا أتذكر إلا فاجعة واحدة كانت بمثابة التغير الكبير ونقطة تحول في حياتي في منهجي وأخلاقي وديني وفي شكل ومضمون حياتي وتفكيري.ابن عمي وسمي أبي وأخي وصديقي الذي خطوت خطوات الأولى خارج المنزل برفقته أول من سافرت معه كان طيب القلب والمعشر تضحك في حضرته ولا تحزن تعلمت منه الكثير في بداياتي في الحياة، عرفته مؤنسا لا تمل جلسته وكان محبوبًا من الجميع سعيدًا على اسمه تركت أبها وذهبت للرياض قبل وفاته بأيام وكنت أتصل به أخبره بكل التفاصيل ونضحك قليلًا ونقفل السماعة مازلت حتى اليوم أحفظ رقم هاتفه وقبل وفاته بيوم لا أنسى تلك الرؤيا عندما رأيت ناقة تدخل الشقة التي كنت أسكنها في الرياض فتترك كل من فيها وتتعمدني بهجومها صحوت من نومي مفجوعا فطلبت من صديقي أن أذهب للاتصال بأهلي فدخلت كبينة الاتصال فكان أول ما سمعت بكاء عمتي تنقل لي خبر وفاته، صدمه وفاجعة جعلتني أتسمر على ذلك الكرسي لدقائق عشر لا أعرف من أنا ولا أصدق ما سمعت ثم خرجت والعين تدمع فراق أخ وصديق أشعل نورًا في قلبي وغير الكثير في حياتي كنت حينها لا أبلغ السادسة عشرة من عمري ولم أنهِ دراسة الثانوية كنت مقصرًا في صلاتي وديني نصلي فرضا ونترك فروضًا حياتنا لعب ولهو ليس لنا حدود أتذكر أنني في أيام عزائه جلست على جدار مسجد جدي القديم أقلب شريط الحياة وعيني شاخصة نحو قبره بعد أن حضرت تفاصيل دفنه كانت من أكثر لحظات الحياة سكونًا وألمًا منذ تلك العصرية بدأت رحلتي الجديدة مع الخوف والرجاء وتغيرت كل تفاصيل الحياة بدأت أسأل بدأت أقرأ بدأت أعيش حياة أخرى بعناوين غير العناوين السابقة وبنفس غير تلك النفس وبروح أكثر إشراقًا فكان موت الصديق والأخ بالنسبة لي درس حياة قرأت ما بين أسطره كل التفاصيل فرأيت حينها ما هو أعمق وأعمق وأعمق من فكرة الموت فلا أملك جزاء لمن علمني حتى في موته إلا أنني لم أرفع يدي للسماء طوال 20 عامًا إلا وأدعو له فالفواجع خيراتها تسكن في عمقها الزمني والفكري لا يستخرجها إلا عقل يعقل ونفس تتفكر وتتعظ.أسأل الله أن يكفيني وإياكم فواجع الزمان وتقلباته ولكنها الحياة تعلمنا الصبر والتعلم حتى من تلك الأحداث التي تقض مضاجعنا.