16 سبتمبر 2025

تسجيل

المقابلة الإعلامية

13 سبتمبر 2015

تختلف المقابلة التلفزيونية عن المقابلة الإذاعية وعن المقابلة الصحفية، ولئن كانت المقابلة الصحفية تتطلب من الصحفي أن يجمع المعلومات الخاصة باللقاء (الموضوع)، إن كان اللقاء موضوعياً، أم المعلومات الخاصة بالشخصية إن كان اللقاء (شخصياً)، أي لقاءً عاماً حول مجمل نشاطات الشخصية، دون التركيز على موضوع محدد، كما هو الحال في لقاءات الرسميين والمسؤولين حول القضايا التي تهم المجتمع. إن المقابلة أو اللقاء التلفزيوني له مواصفات محددة، يُعتمد عليها في إنجاح ذاك اللقاء، وأهم ما يمكن قوله في هذا الاتجاه هو ضرورة إشعار الضيف، إن كان في الأستوديو، بألا ينتبه لبعض الفنيين أو حركاتهم، وأن المخرج سوف يوجّه بعضهم لأشياء لا علاقة لها بالحديث، مثل تحريك الكاميرات، أو تعديل الإضاءة، وبالتالي يجب أن يستأنس الضيف مناخ الأستوديو وألا ينشغل بما يدور حوله، ويركز على حديثه فقط.إن المقابلة والأسئلة، إن لم يكن المذيع قد أعدها، فعليه أن يستوعب الموضوع مثار الحديث، ويقرأ الأسئلة جيداً، ويضع احتمالات أن الضيف قد لا يكون متحدثاً جيداً، وقد يكون خائفاً أو غير متمكن من معلوماته، لذا يجب تجنب الأسئلة التي يُجاب عنا بنعم أو لا.وهنا قد يختصر الوقت المحدد للمقابلة ويضع البرامج الأخرى في ورطة، إن كانت المقابلة على الهواء، ويجب على المذيع أن يلجأ إلى المعلومات الخلفية المصاحبة للأسئلة، دون أن يعتمد %100 على أسئلة المُعد، ولعل أهم ما يمكن أن يُقال في (فن المقابلة) ضرورة أن "يُولّد" المذيع أسئلة إضافية من أجوبة الضيف، ولا ينسى المذيع أنه ينوب عن المشاهدين في طرح الأسئلة، فبعض إجابات الضيف تثير أسئلة عديدة يجب التوقف عندها، ويحبذها جمهور المشاهدين.ولابد للمذيع من أن ينتبه إلى (رتم) المقابلة، فالضيف المتحفظ والكتوم لن يقنع المشاهد وقد يتحول هذا المشاهد إلى محطة أخرى، كما أن حيوية المقابلة تنبع من تلقائية المذيع، وعدم "رسميته" المفرطة، كالتي نشاهدها هذه الأيام في بعض المحطات، حيث يبدو بعض المذيعين "روبوتيين" يقرأون الأسئلة التي أعدها المُعد، محاذرين من أي خروج عليها.إن روح الدعابة واكتشاف الجانب الآخر من الضيف – في المقابلات ذات الهدف الشخصي – من الأمور التي يحبذها الجمهور، ولكن دونما جرح أو مسٍّ لكرامة الضيف.وهنالك من المذيعين الذين يحاولون إظهار قوتهم وسيطرتهم على المقابلة، وذلك باللجوء إلى المقاطعة، وهي صفة مذمومة في المقابلة، إذ يحدث أحياناً أن يكون الضيف مسترسلاً في موضوعه، والجمهور متفاعلاً معه، فيدخل المذيع ويقطع عليه هذا التسلسل الجميل، وينقله إلى موضوع آخر، وهنا يهبط "إيقاع" المقابلة، ويستاء الجمهور من هذا المذيع "المُقاطع".نحن عندما نقابل ضيوفنا لا يجب أن نحرمهم من حقهم في الحديث كيفما يشاءون، ما داموا لم يخرجوا عن لبِّ الموضوع المثار، وعلى المذيع ألا يتحسس من كونه افتقد صورته على الشاشة، ما يمكن أن يُفسر بأن الضيف قد طغى عليه، لأن المشاهدين يرون المذيع كل يوم تقريباً، لكن الجديد ليس المذيع بل الضيف.إن الضيوف المتحدثين يجب أن يُختار لهم مذيعون متمرسون في فن المقابلة، ولديهم خبرات في "نبش" هذه الشخصية كي تقوم بإظهار ما يمكن أن تخفيه، وبذلك يحقق المذيع انتصاراً، ليس لذاته أو لمحطته، بل لجمهوره أيضاً.ولقد لاحظنا – من خلال عملنا في التلفزيون لأكثر من 35 عاماً – أن بعض المذيعين لا ينتبه لحديث الضيف، ويتلهى بقراءة السؤال التالي، أو يؤشر للمصور، وهذا يبدو في نظر المشاهد وفي نظر العلم، خروجاً على تقاليد المهنة، وأصول المقابلة الإعلامية، لأن الضيف، إن لم يشعر بأن المذيع يتابعه – عبر الاتصال غير اللفظي – فسوف يتوقف عن الحديث، بل سيجد نفسه يتحدث إلى نفسه. إن "تسلط" بعض المذيعين، الذين يعانون من عقدة التمحور حول الذات (Echoism) ومحاولتهم إظهار "فحولتهم" المعرفية على ضيوف كبار في السن ولهم خبرات عديدة، ويحترمون أنفسهم في المقابلة، ولا يردون على تلك "الفحولة" إلا بأدب، بينما نجد المذيع يواصل الاتهام ويواصل التعبير القاسي بالوجه والحواجب والعينين، في سعي لمزيد من الاتهامات للضيف، كل ذلك لا يبعث الحيوية في اللقاء، بقدر ما يشيع السأم والازدراء نحو هذا المذيع الذي لا يحترم ضيفه ويصرّ على تحقيره.إن ضيوف الشاشة بشر لهم الاحترام والتقدير، ولا يجوز، بأي حال من الأحوال، حتى لو طغت على المذيع "شهوة" التفرد أو الشهرة المخالفة للذوق، أن يصور ضيفه في شكل لا يحبذه هذا الضيف.وأخيراً، فإن المقابلة، سواء كانت إذاعية أم تلفزيونية، تحتاج إلى دراسة الموضوع المثار، ومعرفة خلفية الضيف وتوجهاته، مع ضرورة احترام هذه التوجهات حتى لو خالفت توجهات أو أفكار المذيع.إن التلاسن بكلمات نابية، والاعتداء بكؤوس الماء أو الكراسي على الضيوف ليست من الملامح الحضارية في المقابلة التلفزيونية، لأن اللقاء هو لقاء أفكار وعقول، لا لقاء أيادٍ واستعراض عضلات. ولقد سمعنا – في بعض البرامج التلفزيونية – كلمات سب وشتم، ما لا يمكن أن نسمعه في الشوارع الخلفية للمدن العربية المتخلفة، فكيف نقبل ذلك على شاشة التلفزيون؟!. وتحت شعار "الإثارة" تسقط العديد من القيم المهنية.