11 سبتمبر 2025

تسجيل

الأثر السلبي لتقنية التواصل

13 سبتمبر 2012

لاشك أن التواصل وتقنية تبادل المعلومات والأخبار بات سمة العصر وأحدث كثيرا من التغيير سواء على الصعيد السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي،لذا فإن التعاطي مع المستجدات لايمكن أن يخضع للرقابة أو بالأحرى تصعب السيطرة عليه إذ يترتب على ابتعاد القيم والمبادئ والمثل العليا جوانب سلبية خطيرة، وقد يفرز هذا الوضع فرقاً تجيد رصَّ التهم وبشكل فريد من نوعه في ظل غياب البراهين والأدلة الدامغة أو بالأصح تجاهلها. وبعض القنوات الإعلامية تميل كل الميل في تقاريرها وتسوق قصصا وهمية عارية عن الصحة، فتلقم المتلقي الجرعة الأولى وغالباً ما تكون هذه الجرعة مفعمة بالمبالغة والتهويل، وتكون مبنية على استنتاجات واستنباطات لا تمت إلى الواقع بصلة، بل وتضيف للمعلومة «بهارات» أو بمعنى آخر إكسسوارات حتى تصل المعلومة إلى المشاهد «مُبْهرة» فتسهم بشكل مباشر في تضليله وخداعه، فهي أي القناة كمن يطفئ النور ويأتي بكشاف للبحث عن الحقيقة مع أنها تستطيع أن تفتح النور، ولكن طغيان الجانب السيئ على النفس البشرية لا يفتأ أن يهلك البشر ويوقع بعضهم ببعض. وإن جاءت بعدها جرعة تتصف بالحكمة فإنها لا تعدو أن تكون جزءاً صغيرا في منظومة كبيرة ومخادعة ومن البدهي أن تكون إفرازات الجرعة الأولى عالقة في الذهن حتى وإن جاء فيما بعد ما يفندها إلا أن آثارها البغيضة تظل راسخة.وغالباً ما ترتسم في ذهن المشاهد صورة مغايرة تماما للواقع وتسبح في خياله ولاتلبث أن تغرق لأنها لا تجيد السباحة، فهذه المسألة متوقفة على طول النفس فلابد لليل أن ينجلي وتبزغ شمس الحقيقة الساطعة، غريب أمر بعض هذه القنوات فتتعامل مع المشاهد بإيحاءات من السهولة بمكان إدراك أبعادها فهي تكون سريعة في التحليل بطيئة في التحقيق وبعضها لا يحتاج إلى تحليل، فمظاهر الإعياء والتعب والشحوب تبدو بارزة بعدما استنفذت معها أعتى المضادات الحيوية، ولكن يبدو أن المرض أخذ ينخر في الجسد، ويتبع آخر الأيام كما هو معلوم التخريف والهذيان. وكما أن هذه القنوات سريعة بالقفز بالمعلومة، فإنها سريعة بالوثب على مشاهديها وإطعامهم فضلات الفكر المنتن والمليء بالسموم . وقد ذهبت تقنية نقل المعلومة أبعد من ذلك من خلال البث المباشر أو بالأحرى الرص المباشر وفقا للمراد من المعلومة الملغومة طالما أن المسألة لا تعدو كونها سداً للفراغ وطالما أنها ستشبع نهم المشاهد. وقد لا تهمه الدقة في الحدث بقدر ما يستمليه عامل الإثارة والإبداع في الإخراج والتصوير وهنا تكمن المعضلة،وأحمد الله بأنهم لم يقحموا الحمام الزاجل في أعمالهم المريبة فهو بريء منهم ومن "عمايلهم السودا"، والغريب في الأمر أنك قلما تشاهد قناة فضائية من هذه القنوات اعتذرت عن خطأ بعدما ثبت عكس ما أوردت. فهل يعقل أن يكون البث 24 ساعة حياً أو ميتاً ولم يحدث مثل هذا الأمر أم أن المسألة عكسية؟ بمعنى أنها ربما تعتذر عن الصحيح الذي ورد وهذا بالأحرى هو الجدير بالبث، ومسألة كيل التهم جزافاً وكيفما اتفق فحدث ولا حرج، حتى أصبحت كلمة التثبت والتحقق مجرد مكملات في حل الكلمات المتقاطعة.  ولو أن أول رائد فضاء وضع قدمه على سطح القمر، كان يعلم بأن الجهود العلمية الجبارة والتي كانت محصلة تجربته، كما تلاها تجارب أخرى مماثلة لم تخل من مخاطر، وما واكب هذه الرحلات والتجارب من آثار إيجابية جعلت العالم أشبه بقرية صغيرة فضلاً عن آثارها الإيجابية الأخرى ومساهمتها الفاعلة في مجال تقدم البحث العلمي، وقطعاً لم يكن يدرك رائد الفضاء بأن جهوده في هذا المجال ستستغل من خلال فرق شريرة دأبت على بث الأحقاد وإثارة الفتن وإشاعة الفرقة، وجل ما يصبون إليه مشاهدة التناحر والتخاصم بين الناس وزعزعة الاستقرار، وإيغار الصدور بين الشعوب والطوائف فلو كان يعلم بأن محصلة تجاربه ستؤول إلى هذه المهازل ربما فكر ملياً قبل أن يلبس خوذته في القبول من عدمه. وأذكر قصة طريفة رواها لي أحد الزملاء وترتبط بالتسرع وعدم التثبت فقال عندما كنت صغيراً وفي قريتنا ركبت دراجتي الصغيرة وركب معي ابن الجيران، وذهبنا إلى السوق وأمام أحد الدكاكين يوجد قرع معروض بالخارج فدعست «قرعة» بالكفر الخلفي فما كان من صاحب المحل إلا أن أوسع ابن الجيران ضرباً ظنا منه بأنه هو الذي يقود الكفر الخلفي رغم محاولاتي إقناعه بأني أنا الذي أقود الدراجة.