20 سبتمبر 2025
تسجيللم يكن فوز رجب طيب أردوغان بمنصب رئاسة تركيا مجرد حدث داخلي يخص الأتراك وحدهم بل حدث بحجم الأمة التي تفاعلت مع الحملة الانتخابية منذ انطلاقتها إلى أن أعلنت نتائجها متوّجة هذه الشخصية التي حظيت باحترام واسع في أوساط الشعوب العربية والإسلامية هي والحزب الذي تترأسه.هذا الاهتمام نوه إليه أردوغان في خطاب فوزه وذلك بتوجيه شكره لكل من دعا له بالتوفيق في تركيا وسوريا والبوسنة وفلسطين وغيرها، معتبراً أن فوزه لمن وقف مع الحق ضد الباطل، ومع المظلوم ضد الظالم، وعدّد المدن السورية والعراقية والأفغانية والفلسطينية والبوسنية واللبنانية معتبراً أنها فازت جميعاً.قد يكون جزء كبير من هذا الاهتمام من الشعوب العربية والاسلامية بأردوغان والدعاء له بالفوز نابعا من إحساسها بوقوفه معها، ونصرته للقضايا العربية والإسلامية العادلة والتي تمثلت في أمور عدة: أبرزها الانحياز لثورات الربيع العربي ضد الأنظمة المستبدة في كل من تونس وليبيا ومصر وسوريا والعراق، وحق هذه الشعوب في العيش بحرية وكرامة، واختيار من يمثلها ويحكمها بعيداً عن الإكراه والاستغلال والإجبار، ثم استنكار الانقلابات المضادة للثورات التي أعادت العسكر كما في مصر، ونصرة المظلومين خصوصا السوريون من اللاجئين، وتذليل كل العقبات التي تقف في وجههم في مجالات الإقامة بأمن وأمان، وتوفير سبل التعليم والصحة والعمل في بلاده، فيما تضيّق دول عربية مجاورة لهم الخناق عليهم، أو تمنن وتستكثر لاحتوائهم، ومثل ذلك حدث أيضاً في دعمه للقضية الفلسطينية ضد العدوان الأخير والمتواصل على غزة، وإعلانه عن تطبيب الجرحى والمصابين الغزاويين في مشافي بلاده.لكن هذا الاهتمام بالفوز يتعدى هذا الجانب في ظني إلى قضايا أخرى كما تابعت ذلك من خلال كثير من التعليقات التي وردت عن ألسنة ناشطين وشرائح شبابية في مواقع التواصل الاجتماعي وأهم هذه الجوانب ما يلي: ـ التطلع لتجسيد النموذج الديمقراطي التعددي والاختيار الشعبي لممثليهم على مستوى البرلمان والرئاسة، وإرساء دعائم التداول السلمي على السلطة بطريقة حضارية بعيداً عن العنف والاستبداد، والقبول بهذه العملية الشفافة بسلاسة وانسيابية، رغم حرارة التنافس الانتخابي، كما في تركيا.. هذا الحلم والرغبة في التغيير تتطلع إليه الشعوب العربية التوّاقة للحرية والعدل، وهي ترى أوطانها لا تزال ترزح تحت نير الاستبداد والقوى المضادة لثورات الربيع العربي. وإلى أردوغان وحزبه تعود كثيرا من الإصلاحات الديمقراطية وآخرها جعل الانتخابات الرئاسية من خلال الاقتراع الشعبي المباشر لأول مرة.ـ التطلع لنموذج تنموي يضع الدول العربية والإسلامية في مصاف الدول المتقدمة في اقتصادها واكتفائها الذاتي، ويخلّصها من الفساد المالي والإداري بعيداً عن نهب ثروات الأوطان لصالح الحكام المستبدين وشراء الولاءات.. وليس بخاف أن تركيا قطعت شوطاً كبيراً في تحقيق التنمية والتقدم الاقتصادي والرفاهة الاجتماعية، وهي تواصل بثبات وثقة هذا الازدهار والتطوير والتحديث، وهو ما ينعكس بصورة ملحوظة على حياة الأتراك.وإذا كان مهاتير محمد مهندس نهضة ماليزيا الحديثة فإن أردوغان وحزبه هما مهندسا نهضة تركيا الراهنة، ولهما دور بارز فيما وصلت إليه هذه البلاد اليوم.والدروس التي قدمها نموذج أردوغان وحزب العدالة والتنمية هي أن التوجهات الإسلامية للحزب لا تحول دون تقدم الدول ونهضتها وازدهارها كما يحاول بعض العلمانيين العرب تصويره، أو كما لا تريد بعض الأحزاب الإسلامية خاصة المتشددة منها فهمه وإعطاءه الأولوية.وما من شك أن تواصل تصويت الأتراك لأردوغان وحزب العدالة لدورات متعددة، إنما هو تصويت للاستقرار في البلاد، ورغبة في مواصلة التطوير والازدهار فيها، ولذا لا غرابة أن نجد كثيراً ممن صوّت لأردوغان هم من العلمانيين والقوميين إقراراً منهم بفضله وعطائه في خدمة المواطن التركي وتحسين أوضاعه المعيشية وتوفير فرص العمل والعيش الكريم له، بعيداً عن التخندق الحزبي الضيق، وهي علامة وعي على تقديم مصالح الوطن ومواطنيه على هذا الجانب.- التطلع لنموذج تعايش بين كافة أطياف المجتمع بكل توجهاته السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وقومياته وطوائفه ونسيجه الاجتماعي.وقد كتب صديقي المحلل السياسي التركي (ذو الأصول السورية) على صفحته في الفيسبوك أنه صوّت لأردوغان وبعض جيرانه الآخرين من الإسلاميين، فيما صوت غيرهم لأكمل الدين إحسان أوغلو، ومجاميع أخرى من جيرانه الأكراد صوتوا لصلاح الدين دميرطاش.. ثم أردف قائلاً: بعد التصويت تقابلنا، وتبادلنا السلام والتحيات وتمنينا لبعضنا البعض أن تكون نتيجة الانتخابات خيراً على مستقبل تركيا والشعب التركي، دون أن يخطر ببال أحد منا أن يحسم الأمر بالعنف أو القوة أو القتل أو السجن أو السحل، منوهاً بأن كثيراً من العرب في الضفة الأخرى لا يزالون يظنون أنه كلما سفكت دماء أكثر كلما قرب الخلاص.. فضّلوا وأضلّوا، وأحلو قومهم دار الخراب واللجوء والتشريد والدماء. وبدوره حرص أردوغان في خطاب فوزه على شكر الجميع على نجاح الانتخابات من انتخبه ومن لم ينتخبه، مؤكداً على أنه سيكون رئيساً للجميع دون استثناء. وبحكم وجودي أثناء الانتخابات في تركيا كان ملحوظاً مرور يوم الانتخابات بسلام وأمان، وأن الأتراك عادوا لأعمالهم في اليوم التالي دون أي شغب أو نصب. لهذه الأسباب وغيرها لم يحتفل رجب طيب أردوغان وحزبه ومؤيدوه الأتراك لوحدهم فقط بل احتفلت معهم مجامع كبيرة من الأمتين العربية والإسلامية ممن يرونه نموذجاً مشرّفاً يحتذى به، ويتطلعون إلى تجسيد نماذج مشابهة له في بلدانهم بعد خلاصهم من نير الاستبداد والانعتاق من ربقة التخلف والتبعية والفساد.