15 سبتمبر 2025

تسجيل

على متن الجمهورية

13 يونيو 2022

الجلوس في قاعة الانتظار بأي مطار دولي أو في أحد مقاهيه يجعلك تتعرّف على سلوكيات البشر وربّما شخصياتهم اذا أمعنت بملامحهم قد تلحظُ أفكارهم. فالمطارات هي المجتمع الذي تكتشف فيه آخر الصيحات العالمية سواء في اللباس أو في حقائب السفر أو في الأجهزة الذكية، وهي المكان الذي يجعلك تُدرك الاختلاف في ثقافات الشعوب، ومهما تبدّلت الأسماء والشخصيات، تبقى المشاعر الإنسانية العالمية مشتركة سواء كنت مغادرًا أو قادمًا أو عابر سبيل. القلق، وفرحة الوصول بالسلامة، اللقاء بالأحباء، والوداع، والرحيل، التعب، النعاس، والجوع، وغيرها من المشاعر التي تجدها في هذا العالم، أكثر مما تجدها في أي مكان آخر. المطارات هي النموذج المصغر عن واقعنا في هذه الحياة. كلّ منّا له وجهته، وعينه على البوابة التي سيُغادر منها، أو يصل إليها. لكلّ منّا حكايته، يسردها لنفسه، ويفكّر كيف يُقنع بها الآخرين. قد تُطمئنك ابتسامة مسافر وتُقلقك نظرة آخر. وقد تشعر بألفة تجاه غريب لم تشعر بها يومًا مع حبيب. فالغرباء يشعرون بشيء من الراحة عندما يفضفضون بهمومهم وأحلامهم لغريب، لأنهم يُدركون أن فرصة اللقاء به قد تكون معدومة. ذاك الرجل الذي يُمسك بيد طفلته وهي تسأله عمّا إذا كانت ستعود لمدرستها في بيروت أم في "غانا"، والشاب الذي وصل بعد فراق 22 عامًا يبحث عن نفسه في ملامح يذكرها أنها كانت لأهله، وامرأة تحمل طفلها، وتُمسك بيد آخر، وتتحدّث عبر الهاتف مع والدتها عن زوجها الذي انشغل عنها ولم يرافقها في رحلتها، وأُخرى تذرف دمعها وتُفكّر بالقصة التي سترويها لأهلها بعد انهاء خدماتها من عملها، وآخر في حالة هلع يتجاوز كلّ المسافرين علّه يرى وجه أبيه قبل دفنه. لكلّ مسافر حكاية، وحكاية الشابين اللبنانيين الذين قُتلا مؤخرًا بحادثة "الهليكوبتر" في إيطاليا، وكان أحدهما قد فقد زوجته في تفجير مرفأ بيروت، واليوم أضحى أطفاله يتامى، هي حكاية تعكس وجعنا كلبنانيين. القدر محتوم، والموت لا مفرّ منه، ولكنّنا شعب أصبحنا كالمسافر الذي يعيش في المطار ومن حوله غرباء، لا نعرف حكايات بعضنا البعض، ولكننا نشعر بها. نحن شعبُ يعيش في مطار نبحث فيه عن بوابة "المغادرون"، وفي الوقت نفسه نبكي أحلامنا عند صالة "القادمون".. هناك من خطف ربّان طائرتنا، وهويتنا.. نحن تائهون على متن الجمهورية.. فهل من ناصرٍ أم معين؟