15 سبتمبر 2025
تسجيلضمن نشاطات مركز أصدقاء البيئة / الخيمة الخضراء، خلال شهر رمضان المبارك، تم تنظيم لقاءٍ علمي حول (المناهج التعليمية ودورها في تعزيز الهُويَّة). ولقد تحدّث متخصصون، من الأكاديميين والمعلمين، حول دور التعليم في تعزيز الهُوية، وملابسات الهُوية ذاتها. وأثرى اللقاءَ وجودُ معلمين لهم دور كبير في تعليم النشءِ في دولة قطر، وكانوا محل حفاوة وتكريم من الحضور. وبرأينا أن التعليم - في دولة قطر – قد مرّ بمراحلَ ومحطاتٍ متعددة، لكل منها جوانبُ إيجابية وأخرى سلبية، ولكلٍ من (مُريدي) المحطات رؤى ووجهات نظر تدعم إيجابية المحطة التي دافع عنها، وترفض دعم المحطة التي لا يدافع عنها. ولئن كان الرأيُ الغالب في اللقاء أن مناهج التعليم وطرق التدريس والمناخ العام للتعليم في الماضي، كانت أكثرة قوة وجدّية وتأثيراً، عما درج عليه الحال خلال العشرين أو الثلاثين عاماً الماضية. وقد يكون مرد ذلك، أن غالبية الحضور والمشاركين في اللقاء هم من عاصروا وتتلمذوا على يد أساتذة المحطات القديمة، بكل ما فيها من جدّية وصرامة واحترام كامل للمدرس؛ بعكس الحال في الظروف التي أعقبت تلك المرحلة، حيث ما تم وصفه بـ (التعليم الحديث)، وضرورة مراعاة شعور الطالب، وعدم "تعقيده" بالدروس الطويلة والواجبات الشاقة، بل ودعوته لمواجهة الأستاذ، بل ووصل الأمر إلى التسامح مع الطالب الذي يعتدي على الأستاذ أو يخرّب سيارته، بحكم أن الطالب تجتاحهُ ظروف نفسية لابد من مراعاتها، وهذا موضوع طويل لا نود الاسترسال فيه. ماذا حصل بعد ثلاثين عاماً من المدارس المستقلة أو الخاصة، وتواري التعليم الخاص؟ من الشواهد الواضحة اليوم، والتي نواجهها في مستوى الجامعة أو الكليات، ما يلي: 1- ضعف الثقافة العامة، وضعف الإلمام بالتاريخ العربي والإسلامي ورموزه، تماماً كما هو الحال مع الضعف في مستوى الآداب والفنون بصورة عامة. 2- ضعف اللغة العربية – وبدرجة واضحة – ودخول لغة الإنترنت المُختصرة والضعيفة في حل الواجبات أو وضع أوراق العمل البحثية! كون تلك المدارس لم تحفل كثيرًا بالتأسيس الجيد في اللغة العربية، وكثيرًا ما واجهنا طلبة وطالبات يطلبون منا عدم وضع أسئلة مقالية في الامتحانات والاكتفاء بأسئلة ( صح/ خطأ، أو الاختيارات الثلاثة (Multiple Choices). كما أن إعداد أوراق البحث، قضية أخرى، والأستاذة الكرام يدركون كيفية إعداد وتقديم مثل تلك الأوراق. وبعد تجربتي التي امتدت لأكثر من 35 عامًا في التدريس الجامعي، أرى عدم نجاعة تضمين الدرجات لأوراق عمل تُعمل خارج الفصل، لأنها مضيعة للوقت ولا يستفيد منها إلا قلة قليلة من الطلبة، كون الغالبية من الطلبة تلجأ إلى وسائل غير إيجابية في هذا الخصوص. 3- وإذا تتبعنا خط عمر الطفل، وحتى يتخرج من الثانوية، نجده كالتالي: أ – في مرحلة الروضة، يقضي الطفل ثلاث سنوات – ولربما أكثر- في بيئة مختلفة عن البيئة المحلية، سواء كانت عربية أم أجنبية، ومعظم الأُسر تُريدها أن تكون أجنبية، حتى يتعلم الطفل اللغة الإنجليزية! وهذا اتجاه أثبت عدم نجاعته، لأنه حتى لو ضمن الطالب وظيفة بحكم إجادته اللغة الإنجليزية، إلا أن في حقيقة الأمر،" يتغَرّب" عن واقعه ووطنه ومجتمعه – نحن هنا نتحدث عن تكوّن الهُوية – لأنه لم يُلم بتاريخه المحلي والإقليمي والعربي والإسلامي، ولا يعرف علماء الأمة ولا أدباءها ولا فنانيها، كما أنه لا يتذوق النتاج الإبداعي لرموز الأمة، بل وقد يكون منفصلا عن هموم الأمة، حتى في النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ب – في المنزل، لا يقضي الطفل مع والديه نصف الوقت الذي يقضيه مع (المُساعدة) في المنزل! والتي لها ثقافتها الخاصة، ولغتها، وأساليبها في التعامل. وإذا ما افترضنا أن الوالدين يعملان منذ الثامنة وحتى الرابعة عصرا، (8 ساعات يوميا) ، ويكون الطفل خلالها في الروضة، أو المدرسة الخاصة (من الساعة 8- 3 عصراً) ، يتحدث الإنجليزية مع المدرسة ومع زملائه، ويخوضون في أحاديث بعيدة كل البُعد عن هموم المجتمع وتاريخه وتراثه، ثمن يأتي إلى المنزل وتتلقفه (المُساعدة) بلغتها الإنجليزية أوالآسيوية، وتُلقّنه عاداتها وتقاليدها، ولا تمر عليه لحظة يقرأ القرآن، أو يتعرف على سلوكيات ومبادئ الإسلام أو العادات العربية الأصيلة، وتأتي الأم مُنهكة من العمل كي تنام، بعد أن أكلت وجبتها في الكافتيريا، وأكل الأطفال مع مربيتهم، في الوقت الذي يلتصق الطفل بشاشة التلفزيون أو (الآيباد)، يشاهد أفلامًا وبرامج أجنبية، وخوارق، ويتعرض لثقافات ومفاهيم أجنبية – غير موجودة في واقعه – فإن ذلك يُحدث (الاغتراب) الذي نُحذّر منه. وتصل الساعة إلى السابعة مساءً، حيث يأوي هذا الطفل إلى فراشه استعداداً ليوم دراسي في الغد! بالله عليكم، كم من الوقت قضاهُ هذا الطفل مع أسرته؟ وكم من المعلومات كسبها منهما؟ في مقابل الكم الهائل الذي اكتسبهُ من الروضة أو المدرسة، ومن المُساعدة ، ومن الأجهزة الإلكترونية !؟ هذا، إذا ما أضفنا لذلك أن الأم، عندما تنهض من قيلولتها تُناظر المرآة ، وتتعدّل كي تخرج، دون أولادها أو طفلها – الذي يجب أن ينام عند السابعة استعداداً للمدرسة! فكم من الوقت قضاهُ هذا الطفل مع والدته؟ أو مع أبيه، الذي قد يكون مشغولا في المجلس مع أصدقائه، أو يكون خارج المنزل!. - في المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية، إذا ما أُدخل الشاب مدرسة خاصة، فما هي المناهج التي يتعلمها هذا الشاب، بعد أن درس المناهج الإنجليزية – لثلاث أو أربع سنوات – وهي مناهج مبُسّطة وسطحية في الأغلب، ولا تتلمس احتياجات الطالب وخصوصية مجتمعه، مقارنة بمرحلة الستينيات والسبعينيات؟ ألا يُحدث هذا التضاد نكسة في عقل الطالب، ونفوراً من المدرسة؟ - في المرحلة الجامعية، يأتي الشاب أو الشابة بعد أن درَسا المناهج بالإنجليزية في الأغلب، ويواجه الطالب صعوبة في استيعاب شرح المدرس – باللغة العربية – كونه يدرس في مجال الإنسانيات، مثلاً ! فهو لا يستطيع كتابة خمسة سطور دونما أخطاء إملائية أو نحوية! أي أن المستوى الذي وصل به إلى الجامعة لم يكن يؤهله لدخول الجامعة أو الكلية! كما أن هذا الطالب لا يشارك في الفصل، خوفاً من أن يُخطئ، ولا يستطيع التعبير عن آرائه، كونه اعتمد الإنجليزية، أو لغة الإنترنت الخاطئة. وإذا ما أضفنا لذلك، عدم قدرة الطالب على تحديد ماذا يريد، ولا يدرك اتجاهاته أو ميوله، كي يدخل أحد التخصصات، نجده " يتوهُ" من كلية إلى أخرى، ومن تخصص لآخر، فكيف نطالب هذا الطالب بحفظ الهُوية؟ نحن نعتقد أن الهُويَّة هي اندماج بين الإنسان والأرض، وتعتمد في الأساس على الدين والمُعتقد، وما يستتبعهما من مبادئ وسلوكيات، ثم تأتي العلائق الأخرى التي تنتجها الأرض، من حب الوطن، والدفاع عنه، اللغة ومحوريتها في الانتماء للأرض، التراث والإنتاج الأدبي – الشفاهي والمكتوب – والنماذج المعروفة للإنتاج الثقافي المادي، ورموز الثقافة التي تصبّ في معين الهوية، العَلّم، النشيد الوطني وغيرها. وتندمج هنا الهُويَّة بالوطنية، والتي تختلف بالطبع عن المواطنة، وهذا مبحث آخر. والهُويَّة اصطلاحًا هي (مجموعة المُميزات التي يمتلكها الأفراد، وتساهم في جعلهم يُحققون صفة التفرد عن غيرهم، وقد تكون هذه المُميزات مشتركة بين جماعة من الناس، سواء ضمن المجتمع، أو الدولة. ومن التعريفات الأخرى لمصطلح الهُوية: أنها كل شيء مشترك بين أفراد مجموعة محددة، أو شريحة اجتماعية تساهم في بناء محيط عام، وتنقسم الهُوية إلى ثلاثة أقسام: الهُويَّة الوطنية، الهُويَّة الثقافية، الهُويَّة العُمْرية. (www.mawdoo3.com). السؤال الآن: هل تساهم مناهج ووسائل التعليم في تعزيز الهُويَّة؟ إن المعطيات التي وردت أعلاه تُجيب بالنفي! كما يلعب الإعلام دوراً مؤثراً في تعزيز أو تشويه الهُوَّية، وإذا ما علِمنا أن واقع التلقي في العالم – هذه الأيام – يتمثل في الآتي: 1- 65 % من برامج الإذاعة باللغة الإنجليزية 2- 70 % من الأفلام ناطقة باللغة الإنجليزية 3- 90 % من الوثائق المُخزنة في الإنترنت باللغة الإنجليزية 4- 85 % من المكالمات الهاتفية باللغة الإنجليزية (د. نبيل علي، اللغة العربية وعصر المعلومات.. التحديات والفرص) ورقة قدمت إلى ندوة ( اللغة والهُوية.. دول الخليج العربي أنموذجاً) ، وزارة الثقافة والفنون والتراث، الدوحة، 2009). فإننا حتمًا أمام مسؤولية كبيرة لم تفد معها كل تلك المؤتمرات والندوات التي عُقدت منذ الثمانينيات لتطوير التعليم! وإذا ما أضفنا لذلك، المدة التي يقضيها الشاب أو الشابة على الإنترنت، يستخدمان اللغة الإنجليزية، أو يتراسلان باللغة الإنجليزية، دون أن يفتح احدهما كتابًا باللغة العربية، أو يتصفح جريدة عربية، فإننا أمام تحدٍ واضح يُضيف إلى "تهديد" الهُوية العربية، بل ويساهم في تلاشيها. هامش: في استبيان أجريته على طلبة وطالبات كلية المجتمع، تبيّن ان المبحوثين (حوالي 50 فرداً) لا يشاهدون التلفزيون المحلي ولا يقرّأون الصحف المحلية!