17 سبتمبر 2025
تسجيلبدا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي خلال الأيام الأخيرة وكأنه يتحرك تحت وقع الصدمة المروعة التي أصيب بها جراء اندحار وتفكك وحداته العسكرية، وهروب كبار القادة والجنود من الميدان وارتداء ملابس مدنية لتفادي القبض عليهم أو قتلهم بأيدي ثوار العشائر والمجلس العسكري وبقية المجموعات الوطنية والإسلامية العراقية، التي حررت محافظة نينوى وقلبها الموصل وطهرتها من كل إدارات وقوات جيش وأمن المالكي خلال ساعات قليلة.جاءت الضربة بالغة البأس وسريعة وعاجلة وعلى خلاف تلك الحالة التي رسمها المالكي وقادة جيشه وأجهزته وظهروا عليها خلال المعركة الجارية منذ شهور في الأنبار، وبدت نتائج معركة نينوى غير متوقعة له وأجهزة أمنه واستخباراته وله سياسيا، إذ إن الرجل كان للتو خارجا مما تصور أنه نصر كبير، بعدما نجح في تزوير إرادة الناخبين العراقيين وحقق المركز الأول، متقدما وحزبه (دولة القانون) على الحلفاء من البيت الشيعي وغيرهم.جاءت الضربة العسكرية له وهو كان منغمسا في حصد غنائم نصره الانتخابي عبر مناورات إعادة انتخابه رئيسا لوزراء العراق لدورة ثالثة يشتري هذا أو يضغط على ذاك، فإذا المعركة التي تصور أنها حملته لتحقيق أعلى الأصوات – ضد الأنبار والمحافظات الست المنتفضة- هي ذاتها التي تتوسع وتتلاحق ضرباتها حتى وصل الأمر حد انهيار قطاعات جيشه وإعلانه عن إعادة تشكيل جيش آخر، في تلك المناطق التي حررها الثوار!تلك الأحداث والهزائم المتلاحقة بعد تحقيق المالكي نصرا انتخابيا خلفت حالة من الحيرة والشك لدى الكثيرين ونغصت عليهم حالة الفرح جراء تلك الانتصارات في المعارك العسكرية الجارية.الخوف يسيطر على البعض من أن يكون المالكي يلعب ذات اللعبة والخطة ويعيد تطبيق الدروس والخبرات الأمريكية المعتمدة ما بعد أحداث 11 سبتمبر 2011، حين أعلن جورج بوش خطة أسماها الحرب على الإرهاب، ويرى هؤلاء أن المالكي قد يكون واقفا خلف صناعة خطة 11 سبتمبر عراقية، أو أنه يحاول إدارة دفة الأحداث نحو هذا الاتجاه، وأنه يستهدف تشكيل حكومة طوارئ تمد من عمر رئاسته للحكومة الحالية ستة أشهر على الأقل وتخرجه من مأزق عدم قدرته على تشكيل حكومة عراقية برئاسته بسبب رفض الكتل السياسية الأخرى التعاون معه، وهناك من يرى أن إصداره أمرا بسحب القوات قد يخفي خطة لإعادة ترتيب الحلفاء بالضغط على الأكراد والمجموعات السنية من جهة وإيقاعهم في مأزق وجودي عسكري مع الثوار من جهة أخرى.وعلى الجانب الآخر، فهناك من يرى ما يجري أمرا طبيعيا وأن جيش المالكي لم يكن له أن يستطيع الصمود أكثر من ذلك، في مواجهة خطة المعركة المتحركة المتنقلة بين محافظات العراق التي اعتمدها الثوار، مستندين إلى دعم شعبي جارف، وأن المظالم والجرائم التي ارتكبها نظامه الأمني والقمعي والعمل الثوري والعسكري المتواصل قد أنجز تلك الأوضاع المأساوية له وجيشه، الذي تنبأ له الكثيرون أن يسقط كما سقطت كل الجيوش التي شكلها الاحتلال الأمريكي على عجل قبل انسحابه من البلاد المحتلة.وواقع الحال أن المالكي تحرك منذ بداية إطلاق شعار الحرب على الإرهاب تمهيدا للانتخابات البرلمانية، بنفس الخطة الأمريكية التي اعتمدها جورج بوش، وحاول أن يظهر كم هو والشعب العراقي ضحية للإرهاب وأنه مارس لعبة تخيير الشعب العراقي بين الوقوف مع الإرهاب أو الوقوف مع حكمه هو، وحاول في ذلك إعادة ترتيب التحالفات الداخلية وفي ذلك لا يبدو مستبعدا أن يمارس أخطر ألاعيب السيرك السياسي على حساب أرواح آلاف الضحايا، غير أن الحقيقة المؤكدة هي أن العراق تجري في داخله ثورة شاملة منذ أكثر من عام، وأن ما يجري هو المرحلة الإستراتيجية الثانية من حرب تحرير العراق.لقد أنجز العراقيون ومقاومتهم في المرحلة الأولى، عملية تحرير العراق من الاحتلال الأمريكي، والآن هم يطيحون بمخلفات الاحتلال وعمليته السياسية وحكمه الذي شكله، ومن يقود المعارك هم المقاومون أنفسهم لا غيرهم، الذين يطيحون بالاحتلال الإيراني الجاثم على صدور العراقيين بممارساته الطائفية البغيضة. الخطر الحقيقي لا يتمثل في وجود لعبة إستراتيجية للمالكي، إذ هو لم تعد لديه القدرة على إدارة إستراتيجية كبرى كتلك التي يخشاها البعض، بل في احتمالات وقوع التقسيم عبر حرب أهلية شاملة طاحنة،وليراقب الجميع معركتي بغداد وديالى مختلطتي السكان، وكلاهما نقطة حسم إستراتيجي للمعارك الجارية الآن.