19 سبتمبر 2025

تسجيل

كيمياء التطرف

13 مايو 2020

كيمياء التطرف تتمثل في تماهي العقيدة مع الذات، بحيث تصبح هي الذات، ويصبح بالتالي أي نقد أو مخالفة تُرى لهذه العقيدة هي في الأساس موجهة إلى الذات واستقصائها. فالمتطرف لا يرى تلك المسافة الضرورية التي تفصل بين الذات الإنسانية المتمثلة في خلق الله أجمعين، وبين العقيدة التي يتبناها هو وقد لا يتبناها غيره من الناس، بل من الواقع ألا يعتنق الجميع نفس العقيدة الواحدة لأن سنة الله تقتضي الاختلاف، فتراه يثور عندما يرى أو يسمع من يخالف عقيدته، أو عندما يرى البعض يعتنق عقيدة أخرى، فيصبح الأمر لديه قضية وجود، ولأن قدرته على التحمل أو معايشة أصحاب العقيدة الأخرى ضئيلة ولأنه يرى في ذلك فناءً للذات واضمحلالاً لها، فإنه يسعى الى إلغاء الآخرين بشتى السبل المتاحة، فيُقصي اذا أمكن الإقصاء ويقتل عندما يكون ذلك ملجأ لابد منه. فناء الذات في العقيدة هو كيمياء التطرف، التي يجب إيقاف تبلورها، وتفكيك جزيئاتها بشكل أو بآخر، ثمة وسائل عديدة لفعل ذلك، منها بل من أهمها اللجوء الى الأسبقية التاريخية لوجود كل من الذات والعقيدة. والتركيز على أن الذات هي الأساس أو هي صاحبة الأسبقية، قبل تبني أي عقيدة كانت، بمعنى أن الإنسان يولد ذاتاً ومن ثم يتبنى العقيدة التي يشاء، وللعوامل الجغرافية والاجتماعية تأثير في ذلك بلا شك. وللذات الإنسانية صفات تميزها عن غيرها من الذوات المخلوقة، فهي إنسانية الطابع، أي تقبل التعايش وان كانت مختلفة في اللون والشكل واللسان. فمن الضرورة بمكان ألا تغير العقيدة المتبناة من تلك القابلية الإنسانية للتعايش، بمعنى آخر أن تحافظ تلك العقيدة على إنسانية الذات ولو بنت فوقها رؤيتها المختلفة وتصورها للكون، ولها كل الحق في الدفاع عن ذلك والاستماتة في ذلك بشرط أن يبقى الأساس في حرمة الذات الإنسانية وأحقيتها في الوجود والتواجد. [email protected]