12 سبتمبر 2025

تسجيل

الدول العربية والفساد

13 مايو 2018

2 % خسائر الفساد من الناتج العالمي عقد في بيروت الأسبوع الماضي الملتقى العربي لهيئات مكافحة الفساد ووحدات الإخبار المالي بمشاركة 28 دولة عربية بهدف استكشاف الوسائل والسُبل لتطوير وتفعيل التعاون المحلي والدولي بين وحدات الإخبار المالي والهيئات الوطنية لمكافحة الفساد. وبينت المناقشات التي دارت في الملتقى أن مكافحة الفساد الجدية لم تجد لها سبيلاً إلى التطبيق في كثير من دول العالم، لا سيما النامية منها مع عدم إغفال أن الدول المتقدمة تشهد أيضا حالات فساد مهمة وكبيرة. كما أن دراسات البنك الدولي تظهر أن خسائر الفساد تشكل ما معدله 2 في المائة من الناتج القومي العالمي، وتعادل نحو 10 مرات قيمة المساعدات التي تقدم للدول النامية، أي أن معظم هذه الدول قد تستغني عن المساعدات في حال نجاحها في الحد من تنامي الفساد ومكافحته بشكل فعال. يأتي هذا الملتقى على خلفية تنامي ظاهرة الفساد في الدول العربية. وبحسب تقرير مؤشر مدركات الفساد 2018، الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية سنويا منذ عام 1995، حصلت الدول العربية، باستثناء قطر والإمارات، على مؤشرات متدنية في محاربة الفساد. كما باتت كلفة الفساد تتجاوز في الواقع القيمة المالية، حيث إن كلفتها الحقيقية تؤثر على البشر، وذلك إذا ما أخذ في الاعتبار عدد الطرقات والجسور والمستشفيات والمدارس والمحاكم ومراكز الشرطة التي كان من الممكن بناؤها وتجهيزها وبالتالي الأرواح التي كان من الممكن إنقاذها فيما وقف مظاهر الفساد. وخلصت دراسة تجريبية أصدرها صندوق النقد الدولي مؤخرا إلى أن ارتفاع مستوى الفساد يرتبط بانخفاض ملحوظ في النمو والاستثمارات والاستثمار الأجنبي المباشر والإيرادات الضريبية. فنجد أن تراجُع مراتب البلدان من المُئين الخمسين إلى المُئين الخامس والعشرين على أحد مؤشرات الفساد أو الحوكمة يرتبط بهبوطٍ قدره نصف نقطة مئوية أو أكثر في نمو إجمالي الناتج المحلي السنوي للفرد، وانخفاض يتراوح بين 1.5% و2% في نسبة الاستثمار إلى إجمالي الناتج المحلي. كما تشير أيضا إلى أن الفساد والحوكمة الضعيفة يرتبطان بارتفاع عدم المساواة وانخفاض النمو الاحتوائي. وليس من الصعب أن نفهم هذه النتائج. فنحن نعلم أن الفساد يضعف قدرة الحكومة على تحصيل الضرائب، ويشوه الإنفاق بإبعاده عن الاستثمارات ذات القيمة في مجالات مثل الصحة والتعليم والطاقة المتجددة وتوجيهه نحو المشروعات المهدرة للموارد التي تحقق مكاسب قصيرة الأجل. ونعلم أن الفساد بمثابة ضريبة على الاستثمار – أو أسوأ من ذلك، نظرا لعدم اليقين بشأن ما يُطلب من رشاوى في المستقبل. ونعلم أيضاً أن الفساد يؤدي بالشباب إلى عدم الاستثمار في مهاراتهم وتعليمهم – لأن التقدم يعتمد على من يعرفون وليس ما يعرفون. ونعلم أن الفساد يضر بالفقراء، ويعوق الفرصة الاقتصادية والتحركية الاجتماعية، ويقوض الثقة في المؤسسات، ويتسبب في تفكيك النسيج الاجتماعي. والفساد عقبة كؤود أمام تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وهناك عنصر آخر في هذا الصدد. فمن أبسط البديهيات أن الفساد في كل زمان ومكان ظاهرة تخلقها "يدان" . فأمام كل رشوة تؤخذ هناك رشوة تُعطى. وكثيراً ما تكون الأموال التي يتم الحصول عليها عن طريق الفساد أموالاً مخبأة خارج البلاد – غالباً في القطاعات المالية للعواصم الكبرى. ومن الممكن جداً أن يكون لدى البلدان "أيدٍ نظيفة" في الداخل و"أيدٍ ملوثة" في الخارج. وبالتالي لكي تتم مكافحة الفساد يجب التصدي لتيسير ممارسات الفساد في القطاع الخاص وذلك من خلال تقوية الأطر القانونية والمؤسسية الموجهة لمكافحة الفساد.