23 سبتمبر 2025

تسجيل

شهر ...  التهذيب والارتقاء والمراجعة

13 مايو 2018

تتسارع الأحداث كسيول جارفة تلتهم ما حولها، حديثنا اليومي لا يخلو من سردها، والتي تواكبت علينا كالنار في الهشيم، جعلت عقولنا وقلوبنا في دائرة القلق اليومي عن مجهول لا ندرك نتائجه، بالرغم من إيماننا أن المستقبل بيد الله، وأن المصائب والمحن ما هي إلا نافذة للتقرب إلى الله واللجوء إليه، وتهذيب  للنفس والارتقاء بها، أمراض متنوعة غريبة، بالرغم من التطور الطبي والعلاجات المتقدمة، لم يسلم منها الصغار والكبار، ونقول هذا قدر الله، إرهاصات سياسية أبطالها حكومات جائرة وقادة طغاة لا يخشون الله في أوطانهم وشعوبهم، من أجل دنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة، تمزّقت الدول وانقسمت الشعوب، فأصبحت تحكمها الأحزاب والقبائل والعقائد، لا ديمقراطية ولا شورى، واشتعلت معها الحروب الأهلية، ونقول هذا غضب الله. خصومات متشابكة وقضايا مالية واجتماعية بين الإخوة وبين الأبناء والآباء وبين الأزواج تعجّ بها المحاكم الشرعية والقضائية تنتظر إصدار الحكم القضائي لفضها، ونردد هذا أمر الله، دول تربطها وحدةالدين واللغة والمصاهرة انحرفت عن مسارها لتصنع لها هالة عظيمة من القوى الزائفة والأكاذيب الباطلة، وتشد سرج خيلها نحو دول عظمى للاستعانة بها في محاربة أشقائها، بأسلحتها ودفع أموال شعوبها لتحاربهم بها، ونقول هذا ابتلاء من الله، الحروب تتواكب على أراضينا الإسلامية والعربية ويسقط الكثير من الضحايا ويتمزق نسيجها المجتمعي، وينتشر فيها الفقر والمرض والجهل والفساد ونقول هذا عقاب من الله، فأغلب اللاجئين من المسلمين، وأغلب الجهلاء والفقراء من المسلمين، وأغلب الصراعات والحروب تقوم في الأراضي الإسلامية، برزت تنظيمات إرهابية تحت مسميات متعددة  كتنظيم القاعدة، وحزب النصرة، وداعش وغيرها بغطاء أمريكي صهيوني تفجر وتدمر وتقتل وتغتصب وتنهب ونقول على نفسها جنت براقش، يتعاقب الليل والنهار بسرعة البرق وتلتقي الأفراح والأحزان، واليوم والأمس، واقعنا السياسي مخجل، وواقعنا الإقتصادي مفلس، وواقعنا الاجتماعي مدمّر، ونقول إنها من علامات الساعة، كل هذه المبررات ما هي إلا طمأنة للنفس للتخفيف من وطأة ما يدور حولنا من أحداث متعاقبة، ويستبعد خلاله جناية الإنسان على نفسه،  أليس هو القائل سبحانه: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) النساء.  تلك الدآئرة اليومية التي ندور في فلكها بأفكارنا ومشاعرنا وحديثنا هيّجت في داخلنا القلق والخوف من تسارع الأحداث، لنعيد حساباتنا اليومية في التعامل مع أنفسنا ومع الآخرين ومع المجتمع وفق حيثيات قيمنا ومبادئنا وأخلاقياتنا الدينية، نشتكي من الإسراف المادّي في المأكل والمشرب والملبس والكماليات وننتقد فاعليها، بينما نسابق الزمن في اقتنائها ونبحث من خلال وسائل التواصل الاجتماعي عن الجديد والباهظ، نتكلم عن مظاهر الإسراف في الأفراح والأحزان والمناسبات الأخرى. ولكننا لم نمتلك قوة لنكون قدوة، والبحث عن المأكل والملبس قبل الطاعة والعبادة ديْدننا في استقبال شهر رمضان، كما هو البحث عن أرقى المطاعم والفنادق لاستكمال السهرة الرمضانية مع الطرب والغناء، تغيرت المفاهيم وضاعت القيم، وما بين قولنا وسلوكنا بُعد المشرق عن المغرب، هذا الشهر الرباني الفضيل قد أقبل وعواصف الفتن تجتاح مجتمعاتنا العربية والإسلامية، لتحقيق الاستراتيجية الإسرائيلية، التي لم يتحقق فيها الأمن إلا بتدمير الأمن العربي القومي، والشواهد كثيرة، والتعنت الخليّجي لدول الحصارالجائرة في استمرارية الحصار وقطع الصلة الأسرية  والحرمان من بيت الله الحرام مازال قائما، كنا نستنكر ونشجب الممارسات الأمريكية والصهيونية في دولنا العربية والإسلامية في شهر رمضان دون احترام لقدسيته ومشاعرنا الدينية، لتسقط الأشهر الحرم وقدسيتها وحرمة القتل والحروب والعداء فيها من قاموسنا الديني ازداد الغيّ الأمريكي الصهيوني في فلسطين والعراق واليمن وسوريا وأفغانستان، آلاف القتلى والجرحى والمشردين والنازحين لتختفي معها كلمات الشجب والاستنكار من القاموس السياسّي العربيّ، كما اختفت النخوة العربية والضمير العربي، الحروب الأهلية العربية مزقت البنية المجتمعية، والحروب العربية العربية ولّدت الانتقام والأحقاد، متى أصبح الصهيوني هو المقرب والصديق ويعيث في الأراضي العربية بكل آريحية ودون مساءلة، والعربي هو العدو البعيد، ويفرض عليه الحصار ليمنع من الدخول للأراضي العربية، ويحرم من ممارسة الشعا ئر الدينية، المؤشر الرمضاني قد اقترب مازلنا نعيش الصراع الإعلامي باختلافه وكأننا نسابق الزمن، لنبحث عن الجديد ليس في ما يدفعنا للبناء والتغيير والتطوير إنما للتدمير وإشعال ما بداخلنا من فتن وشماته وغضب لتزيد أحقادنا وكرهنا ضد الآخر، ونبحث عن أجود المطاعم وأغلى الملابس دون الاستشعار بتلك الطفلة السورية التي تحمل لافتة موجهة للعالم كتب عليها "لك الله جوعانين جوعانين"؛ والطفل السوري الهارب من النيران السورية على الحدود العراقية باحثا عن من يسد رمقه ويأويه، والآلآف من الجوعى الذين يتوسدون التراب، ويعيشون على فتات الفضلات، ولهذا تتوالى علينا الأحداث والمحن وتطوق حياتنا، فهل سنعيد حساباتنا ونقّيم سلوكنا مع مقدم رمضان، وكل عام والجميع بخير.‏‫