29 أكتوبر 2025
تسجيلأبدى ناشط إعلامي يمني تعاطفه مع الثورة السورية وتمنى في منشور كتبه مؤخرا على صفحته على أحد مواقع التواصل الاجتماعي أن تحقق فصائل مقاومتها نصرا على مقاتلي حزب الله في مواجهات القلمون، فما كان من أحد متابعيه إلا أن علّق عليه بالقول: "دعك في اليمن"، في تنبيه له إلى ضرورة أن يحصر اهتمامه باليمن دون الالتفات إلى قضايا الثورات في دول أخرى. رَدُّ الناشط كان قويا ومُفحِما: "اليمن ليس معزولا عن محيطه وما يحدث في بلدك له تأثير في الشام وفي العراق وفي كل قُطْر عربي، وبالمثل فما يجري في الأقطار الأخرى له انعكاس وتأثير مباشر على مسار أحداث بلدك"، وتساءل في ختام ردّه: "متى نخرج من أسْر عقلياتنا الانعزالية التي أَردتنا موارد الهلاك!". لا مشكلة في ترتيب الأولويات، بحيث يكون تركيز بؤرة اهتمام كل دولة بثورتها أكبر، باعتبار أن أهل مكة أدرى بشعابها، وأن "الأقربون أولى بالمعروف"، ولكنّ هذا لا ينبغي أن يستدعي انكفاء أصحاب كل ثورة على أنفسهم، بحيث يصبحون كجزر منفصلة، لأن ذلك مضرّ بهم وبثوراتهم جميعا لأسباب عديدة: ـ إن أيّ انتصار أو تقدّم في مسار أي ثورة يفترض أن ينعكس عمليا ومعنويا على مسارات الثورات والعكس صحيح.ـ إنّ ثمّة واجبا أخلاقيا وواقعيا يفرض التعاون بين الثورات وإفادة كل ثورة من خبرات الأخرى والسعي لكي تتكامل الجهود وتتلاقح التجارب، وإذا كان التعاون في الظروف الطبيعية مطلوبا، فإنه يكون أكثر إلحاحا في الظروف الاستثنائية كما قال الشاعر: لمّتِ الآلام منّا شملنا.. ونمت ما بيننا من نسب. فيما قال آخر: إنّ المصائب يجمعنَ المصابينا. ـ كثير من هذه الثورات تواجه عدوا مشتركا أو أعداء مشتركين، وأن هؤلاء الأعداء يقوى خطرهم أو يضمحل بناء على حجم المواجهة التي يواجهونها من خصومهم ومدى وجود رؤية موحدة أو تنسيق مشترك فيما بينهم.ـ البيئة المحيطة والفرص المتاحة إذا أحسن استثمارها وتنسيق الجهود حيالها تنعكس بصورة إيجابية على الجميع، وتفتح أبوابا أوسع للفرج والنجاح والخلاص. في مساري الثورتين السورية واليمنية ثمة تشابه في أكثر من أمر، الأول في الدعم الإيراني الواضح لحليفهم (النظام السوري) ضد ثورة مباركة نادت بالحرية ضد نظام ظالم مستبد جرى توريثه، حيث شمل هذا الدعم كافة الصنوف، بما فيه التدخل العسكري المباشر المليشياتي (خبراء وعناصر مقاتلة من الحرس الثوري الإيراني وأذرعهم كحزب الله اللبناني ومليشيات طائفية أخرى من العراق)، ودعمهم العسكري والسياسي لحركة الحوثيين الانقلابية التي تدين بالولاء لهم، ضد الشرعية الدستورية وثورة الشعب اليمني على المخلوع علي عبد الله صالح، والأمر الآخر هو بدء ثورتي الشعب بشكل سلمي واضطرار ثورة الشعبين بعد ذلك إلى اعتماد المقاومة المسلحة، نتيجة مجابهة النظام السوري للثورة السورية بالرصاص الحيّ والاعتقالات والقتل ورفض إجراء أي إصلاحات جدية، وقيام الحوثيين بالانقلاب على مخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية واجتياح صنعاء ومدن أخرى والسيطرة على مؤسسات الدولة ومحاولة فرض سياسة الأمر الواقع بقوة السلاح.ونتيجة لما جرى في اليمن اضطرت دول الخليج وقوات التحالف لتنفيذ عاصفة الحزم للجم تهديدات الحوثيين ـ ومن ورائهم مخططات النظام الإيراني ـ ليس في اليمن وإنما على مستوى المنطقة، ولمواجهة هذا الخطر جرت إعادة تحالفات دول عدة في المنطقة، خصوصا بين المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر، إضافة لدول الخليج، وتجاوز الأمر هذا الحد للتنسيق بشأن النظام السوري والترتيب لمرحلة ما بعد بشار الأسد.ولا يخفى أن الشعب السوري المظلوم الذي كان ولا يزال يشكو من براميل النظام وقصفه من الجو.. كان يتمنى على مدار السنوات الماضية أن تكون له حماية دولية من ذلك، من خلال تخصيص مناطق آمنة أو فرض عقوبات دولية على نظام دمشق، ولكن هذا لم يتمّ، لذا فإنه صار ينادي ويطالب بشكل عفوي بضرورة تنفيذ عاصفة حزم مماثلة في سوريا عبر تركيا، وانتقل هذا الحديث إلى الصحافة الدولية ورصدت لقاءات زعيم جيش الإسلام زهران علوش الأخيرة مع النظام التركي، كما رحبت المعارضة السورية بمخرجات القمة الخليجية الأخيرة بما فيها تنظيم لقاء يجمع فصائلها من أجل ترتيبات ما بعد بشار الأسد، وربما هذا لم يكن ليثار سورياً لولا التطورات الأخيرة التي ارتبطت بعزم المملكة العربية السعودية على التصدي للمخططات الإيرانية التوسعية وتهديدها للأمن الخليجي والعربي، وأهمية استثمار أجوائها ضد نظام آخر (النظام السوري) الذي يعد حليفا قديما ورئيسا للنظام الإيراني وخصما لدودا لأغلب دول التحالف. وعلى نحو متصل فإن اللقاء الأخير بين وزيري الخارجية القطري والتركي بحث الأزمتين السورية واليمنية واتضح أن ثمة تطابقا في وجهات النظر إزاءهما. ختاما.. لابد لممثلي المعارضة وقيادات ربيع الثورات العربية من أن يوثّقوا عرى التعاون فيما بينهم، وأن يسعوا لتكامل جهودهم وأن يتبنى كل منهم قضايا الثورات الأخرى، لأنها تنبع جميعا من منبع واحد هو رفض الظلم والاستبداد بكافة صوره وتصبّ في نفس المصبّ، ألا وهو السعي لاسترداد الكرامة الإنسانية وضمان الحقوق الأساسية للشعوب، بما فيها حقها التعبير عن رأيها وتوفير الحياة الكريمة لها، ولاشك أن هذا التعاون والتآزر والتكامل فيما بينها، ونصرة كل منها للأخرى يصبّ في مصلحتها الأخلاقية والواقعية على الأرض.