12 سبتمبر 2025
تسجيلتُعد الشخصية الطيبة عملة نادرة تواجه ظلماً اجتماعياً بالرغم من التغنّي بهذه الصفة في سطور المواضيع وأبجديات القصص وحروف الأغنيات وهوى الروايات، والحقيقةُ هي أن الصدق والطيبة ليست ضعف شخصية كما يُنظر لمن هم عليها، بل هي من الأخلاق الراقية وتزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذا المعدن ويعطيه حقه في التعامل بالمثل. وبالرغم من عدم تقدير الطيّب، فإن معظم الناس ينسبون إلى أنفسهم هذه الصفة الجميلة والنادرة كملائكةٍ تمشي على الأرض «والله ساتر عليهم» لكن لابد لأصحاب القلب الطيب أن يوازنوا بين متطلبات الحياة التي تبدلت سُنن أشخاصها وطيبتهم التي يتمسكون بها فلا يخسرون هذه ولا تلك فطيبة القلب ليست مشكلة أو تُهمة. ومن المؤسفِ حقاً أن المجتمعات الحديثة استخدمت الطيبة كوصمةِ عارٍ للأشخاص الذين يتصفون بها، بل وبالغت بوصفهم بضِعاف الشخصية، لنجد ذلك في العمل والبيت والمحيط الاجتماعي بل حتى الأدوار التمثيلية التي تطل علينا في معظم الأعمال الفنية. الطيبة «ولا يخفى على أحد» صفةٌ من الصفات البشرية التي وضعها الله في قلوب بعضِ عبادهِ بشكلٍ عفوي وغير مُكتسب ونحن نقابل في تعاملاتنا الحياتية الكثير من الأشخاص أصحاب الصفات المختلفة، فيبهرنا كرم هذا ويأسرنا لطف هذه وتخيفنا قوة هؤلاء، وتبقى الطيبة هي أكثر المشاعر المتربعة على عرش قلوبنا جميعَاً، ولكن يُقال في زمنُنا هذا إن النية الطيبة غباء، كما قالوا عن الخُبث ذكاء والابتسامة في وجوه بعضُنا البعض مصلحة، ولم يعلموا بأنها فطرة ميّز الله بها من أحبهم من خلقه، مع الأخذ بالاعتبار ان «الطيبة الزائدة» تقود أصحابها إلى الهاوية في مجتمعٍ يعتبرهم «سُذّجاً» حيث إن الشخص الطيب يقدم الكثير مما يجعل سقف توقعاته عالياً عند تعامله مع من حوله أو على الأقل يعتقد مخطئاً انه سينال ما يستحق طيبته خيراً لا أن يُسحق. وعلينا أن ندرك أن الطيبة الزائدة تحت مفهوم حسن الظن قد تعمي صاحبها عن رؤية الحقيقة بأكملها وتفتح الباب على مصراعيه أمام الآخرين لاستغلاله وخداعه، لذا لابد أن نقدم العقل قبل العاطفة، فالأول يزن الأمور بحكمة وعقلانية أما الثاني فتجرفه المشاعر الهشة فيصبح الشخص عاطفياً وليس طيباً. أخيراً: يقول الكاتب «غابرييل غارثيا ماركيث» لو كان بيدي أن أمحو لمحوتُ سنواتٍ من الطيبةِ الزائدةِ عن الحد والسذاجةِ التي تصل إلى الاعتقادِ بأن كل الناس أنقياء.