15 سبتمبر 2025

تسجيل

اللغة العربية بين أهلها وذويها

13 أبريل 2019

ما بين سلامة موسى في الخمسينيات من القرن الماضي ونورالدين عيوش في الوقت الحاضر مسافة زمنية يطبعها الصراع تشتد وطأته تارة وتخمد جذوته أحايين أخرى، صراع حول إحلال اللغة العامية محل الفصحى واعتمادها بشكل رئيسي في حقول التعليم ومجالات الأدب. وما بين مؤيد لهذين الطرحين الذي يرى في العربية الفصيحة رفعتها عن مجاراة الواقع، وبين متعصب لها يقف حجرة كأداء أمام أي محاولة من شأنها المساس بجوهر لغة الضاد، تنتصب اللغة العربية شامخة في عنفوان وهمة تسري في دمائها روح التجديد ومقومات المواكبة لتكنولوجيا العصر. و إذا كان الأول (سلامة) قد هوجم هجوما لاذعا من طرف كبار الأدباء بمصر، فإن الثاني (عيوش) قد جلب عليه سخط الأسرة التعليمية بالمغرب برمتها إبان اعتماد مفردات من الدارجة المغربية في مقرر دراسي لإحدى الأقسام الابتدائية دون مصوغ تعليمي أو تربوي. ولعل الاشكال ليس في نضوب اللغة العربية أو تعاليها عن الواقع اليومي المعيش، وإنما المشكل الحقيقي يتمثل في الناطقين بها كيف لا وهي لغة الإعجاز والشعر والمقامات والفلسفة والفكر و الابتكارات وشتى مناحي العلوم. إن تدني مستواها في الحقل التعليمي ليس مرده بالأساس إلى قصور فيها، بل إلى السياسات الممنهجة الاستعمارية بالأساس لمجابهتها، لذلك فإن دعاة التغريب قد وجدوا ضالتهم في الترويج لغيرها من اللغات والمرتع واسعا لمعاداتها، وما قضية إحلال اللغات العامية الدارجة إلا وجه من وجوه هذا الادعاء، وخلق شرخ بين أبنائها بحجة ان اللغة الفصيحة صارت أبعد مما كان عن ملامسة الواقع الحياتي وبعيدة كل البعد عن عقول ومتطلبات الجيل الحالي. ولعل هذه النظرة الضيقة للغة العربية باعتبارها لغة حية معتمدة ضمن الجمعية العامة للأمم المتحدة، فضلا على كونها لغة معربة (تتغير حركاتها الاعرابية مع اختلاف السياق)وهذا دليل على قوتها، تنم عن جهل تام بمكنوناتها وعن خلل مستشر بين معاديها ممن تسربت اليهم دسائس التشكيك ومعالم الانبهار باللغات الأخرى. ويكفي أن يقف أحد منا على المكانة التي بلغتها هذه اللغة أيام مجدها وازدهارها في الأزمنة والعصور الماضية، ومع الضعف والهوان الذي أصاب الأمم والشعوب الناطقة بها في الوقت الحالي نتيجة المتغيرات الحياتية والتحولات الاقتصادية والسياسية أمر طبيعي ان تمس اللغة باعتبارها إحدى مكونات هويتها وكينونتها، وما كان له من انعكاس في الوسط التعليمي تبدت ملامحه من خلال تدني مستوى التحصيل وضعف على مستوى المردودية. وفي هذا السياق تأتي مبادرة قطر بسن قانون بشأن حماية اللغة العربية صادر في 14يناير 2019من العام الجاري ارتكزت أسسه على عدد من المقومات تتمثل في: -إلزام الوزارات والمؤسسات العامة وكل الأجهزة والهيئات باستعمال اللغة العربية في اجتماعاتها ومناقشاتها وصياغة قراراتها. -اعتماد العربية لغة للتعليم في المؤسسات التعليمية إلا إذا فرضت طبيعة بعض المقررات غير ذلك. -صياغة تشريعات الدولة باللغة العربية، كما أنه يجوز إصدار ترجمة لها بلغات ثانية. -ضرورة نشر الأبحاث والدراسات العلمية الممولة من طرف الجهات الحكومية وغير الحكومية باللغة العربية، كما يجوز نشرها بلغات أخرى. -تسمية الشركات والمؤسسات ذات الأغراض التجارية والمالية والصناعية والعلمية والترفيهية بأسماء عربية. ومن هذا المنطلق فإن ثقافة الاستلاب لم يعد لها مكان بيننا تماشيا مع هذه الرؤية الموسعة ووفق استراتيجية محكمة غايتها إعطاء اللغة العربية المكانة المرموقة التي تستحقها، وأن هذه الغاية لا يمكن تحقيقها، بأي حال من الأحوال، إن لم تكن هناك إرادة فعلية وتظافرا للجهود من طرف الجميع لأن هناك حقيقة لا مناص من الإشارة أو التنبيه إليها وهي الضعف البين على مستوى التخاطب بها في جل الصفوف التعليمية على اختلاف مستوياتها وأن استعمالها بشكل صريح يبقى دون المستوى المطلوب ما دام الواقع العياني يشهد أن أساليب التخاطب تحضر فيها اللغة العامية بشكل واضح وجلي مع ما لهذه الأخيرة من اختلافات على صعيد البلدان والمناطق وكذا طرائق النطق. لذلك صار من الأكيد أن تعاد للعربية اعتباراتها كلغة حية ومرنة قابلة لاستيعاب ومواكبة المرحلة بكل تكنولوجياتها وتصوراتها ورؤاها المستقبلية العلمية منها والابداعية، ومن الجحود أن تنعت بالفقر أو القصور أمام مثيلاتها من اللغات وفيها من الكنوز والذخائر ما ليس له شبيه او نظير ألم يقل شاعر النيل حافظ إبراهيم على لسانها: أنا البحر في أحشائه الدر كامن ....... فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي