16 سبتمبر 2025

تسجيل

الإعلام النزيه .. ضريبة مستحقة في عصر التغيير العربي

13 أبريل 2011

لأن الإعلام النزيه يسعى إلى تقديم الحقيقة للجمهور بشفافية ودون انحياز ، فلا غرو أن يجد نفسه في مواجهة مع الأنظمة العربية التي لا تزال تطوّق نفسها بوسائل إعلام رسمية لا تنظر إليها إلا بعين الرضا ـ التي هي عن كل عيب كليلة ـ ، ولا تنشر عنها وعن زعاماتها إلا المآثر والبطولات والإنجازات فقط. ازدادت هذه المواجهة ضراوة بين الطرفين في الشهور الأخيرة، بالتزامن مع حراك التغيير العربي المنتفض من أجل حريته وكرامته، حيث تصر هذه الأنظمة على لجم أي صوت يقدّم غير روايتها الرسمية، و حجب أي وسيلة إعلامية تنظر بغير عينيها، وبسبب ذلك دفع الإعلام الحر والمحايد ـ ولا يزال ـ أثمانا باهظة، سواء على مستوى الصحفيين أو الوسائل الإعلامية، ودفعت شبكة الجزيرة القسط الأوفر من هذه الضريبة. كل هذه الأنظمة التي شهدت أو تشهد تغييرا بلا استثناء استشاطت غضبا من الجزيرة، بدءا من تونس ومرورا بمصر وانتهاء باليمن وسوريا وليبيا ، نعتتها بالتحريض وإثارة الفتن، ووصفت دورها بالتخريبي، ومهتمها بالتآمر والعمالة ، واعتبرت أن تقاريرها متحاملة أو كاذبة خاطئة أو مبالغ فيها، حذرتها من التغطيات منذ الأيام الأولى للحراك التغييري ومنعتها من الوصول إلى ميدان التظاهرات، كما في سوريا، وقامت بالتضييق عليها، والحد من تحركات العاملين فيها ، وتهديدهم ، حتى وصلت في نهاية المطاف إلى سحب تراخيص عملهم وإغلاق مكاتب القناة، كما وقع أو يقع في مصر واليمن. وفي دول أخرى كليبيا كان الأمر أشد خطورة وعنفا ، فقد تم استهداف صحفيي الشبكة، فاستشهد نتيجة ذلك المصور القطري علي الجابر وأصيب زميل له بجروح، بفعل كمين غادر، وتم خطف واحتجاز أحد طواقمها الصحفية، لم يفرج سوى عن صحفيين منهم حتى الآن . ورغم إيقاف قناة الجزيرة في مصر عن العمل قبل نجاح الثورة، وفي اليمن حاليا، فإن هناك قنوات أخرى ووكالات أنباء كانت تواصل مهامها، وتنقل الصورة أو على الأقل أجزاء منها للفضائين المحلي والدولي، أما في دولة كسوريا، فإن ثمة منعا كاملا لوسائل الإعلام، إذ لا مجال لوصول أي صورة تلفزيونية أو نشر تغطية خبرية من الميدان، على الإطلاق، وجلّ أو كلّ ما يعرض مأخوذ عن مواقع انترنت، ومصوّر بكاميرات هواتف من الميدان على ما في هذه الصور من اهتزازات وضعف فني واضحين.. ليس هذا فحسب، بل طردت صحفيين لرويترز واعتقلت أحد مراسليهم ، كما اعتقلت واستهدفت عددا من مراسلي الصحف ووكالات الأنباء الأخرى والكتّاب الصحفيين، من السوريين وغيرهم ، ووصل الأمر إلى إقالة رئيسة تحرير صحيفة " تشرين السورية " ليس لشيء سوى أنها حاولت التعاطف مع الضحايا وطالبت بمحاكمة قوات الأمن إن ثبت أنها هي من أطلقت النار على متظاهري مدينة درعا الجمعة الماضية، واعتبرتها مقصرة لكونها تتهم عصابات وعناصر إجرامية تقوم بقتل المواطنين دون أن تتمكن من القبض عليهم، وطالبت الإعلام السوري بتوضيح الحقائق، وتقديم صورة متكاملة عما يحدث، وسعت لفتح حوار مع المعارضة. وكما تم في تونس فقد تم قطع خطوط الاتصال عن بعض المحافظات السورية بهدف عزلها، ومنع نقل ما يتم فيها من سفك للدماء وقمع للمحتجين إلى الفضائين العربي والدولي ، إذ يعود الفضل للإنترنت ومواقع اليوتيوب والفسيبوك وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي في نقل أحداث ثورات التغيير وتبصير العالم بها، كما بات معلوما بعد يتم تصويرها عبر الهواتف المحمولة، ولولاها لما كان لأحد أن يعرف ما يدور هناك كما حدث في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي أكثر من ذلك، فإن الإعلام السوري والشخصيات التي تدور في فلكه هاجمت ـ ولا تزال ـ كل صوت عربي يتعاطف مع الشعب السوري في نضاله من أجل تغيير سلمي ، ويطالب المسؤولين السوريين بالإصلاح قبل فوات الأوان حتى لو كان بوزن الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، وما يمثله من مكانة علمية ومرجعية في العالم الإسلامي. الفاتورة التي سيدفعها الإعلام العربي الحر والصادق ستستمر طالما أن زهور ربيع التغيير لا تزال تتبرعم في بساتين النطقة ، بانتظار لحظة الانعتاق من ربقة الذل والهوان وإطلالة الفجر الوليد. ولعل عزاء هذا الإعلام مهما عزّت تضحياته أنه شريك رئيس في عملية التغيير الحاصلة، كيف لا وهو صوت الحق الذي يغالب صوت الباطل، ونصير المستضعفين المظلومين في مواجهة الجبابرة والظالمين. ويمكن القول بكل اطمئنان إن الفضائيات والإعلام الجديد بكل تقنياته هو جهاد العصر، كما قال الشيخ القرضاوي، والإعلاميون وكل كاتب غيور، وصاحب قلم شريف هو على ثغرة مهمة، في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ أمتنا التي يعاد صياغة حاضرها ومستقبلها من جديد.