12 سبتمبر 2025

تسجيل

أفلا يتدبرون

13 مارس 2024

ها نحن قد بلغنا الله شهر القرآن الذي أمرنا جل وعلا بتدبر آياته حيث قال ﴿كِتَابٌ أَنزَلنَٰاهُ إِلَيكَ مُبَٰارَك لِّيَدَّبَّرُوٓاْ ءَايَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلبَابِ﴾، وقد يسره جل وعلا للذاكرين فقال سبحانه ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾، ولم يكن تدبر القرآن يومًا للخاصة والعلماء دون باقي المسلمين بل كلٌ ينهل منه على قدر ما يفتح الله عليه من فهم، ومع أن مطية علوم القرآن ومادته هي اللغة العربية الفصيحة بشروطها وأحكامها وقواعدها، إلا أن ذلك لا يمنع المجتهد من أن يجد حلاوة القرآن ويتدبر معانيه ويجتهد في قطف ثماره. ولقد جاء في القرآن الكريم الحث على التفكير في حوالي تسعة عشر موضعاً، وخُتمَت سبع آيات من كتاب الله بقوله تعالى ﴿ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ في إشارة إلى أن هذه الآيات العظيمة لا ينتفع بها إلا ذوو العقول المتفكرة، ومثال ذلك قوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾، فمن هم أولوا الألباب؟، استمع لوصفهم في قول الحق: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، ولقد أمرنا جل وعلا أيضًا بالنظر إلى مخلوقاته نظر المتدبرين والمعتبرين حيث قال في اكثر من موقع من كتابه العزيز: ﴿ أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾، وقال: ﴿ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ﴾. وبما أن تدبر القرآن ليس حكرًا على أحد، فهذه دعوة إلى كل من يقرأ القرآن الكريم في ليالي هذا الشهر الفضيل وأيامه أن يعطي عقله وقلبه الفرصة الكافية لتدبر الآيات واستنباط العبر والحكم، فمهما كان تخصصك العلمي ستجد في كتاب الله ما يفتح لك البصيرة ويملأ لك الأفق وذلك أنه سبحانه لم يترك شيئًا إلا وذكره في كتابه العزيز عرفه من عرفه وجهله من جهله، قال تعلى: ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾. كما يحدوني الأمل بأن تُنْشأ مراكز متخصصة في علوم القرآن تكون على أسسٍ حديثة تجمع بين علماء الشريعة بمختلف تخصصاتهم ومشاربهم، وعلماء المجالات العلمية الأخرى كالفيزياء والفلك والطب والهندسة، ولنكن مبادرين بالأطروحات والنظريات والاكتشافات حتى لو جانبنا الصواب في بعضها، فهذه طبيعة الأشياء، ولكن من غير الطبيعي أن يكون بين ايدينا كتاب الله ولدينا هذا الإرث العظيم العريق من المؤلفات والرسائل ولا نسخر ذلك ليكون لنا قَصَبَ السَّبْقِ في كل مجالات الحياة.