12 سبتمبر 2025
تسجيلعندما يمضي العمر تصبح هناك رؤية أوضح، وإن كان النظر أقل، نستطيع أن نرى بوضوح،ونعرف الفروق بقوة وبصفة أدق بين الأشياء التي قد نعتقدها متشابهة، كالفرق بين مشاعرالحزن ومشاعر الندم التي هي خليط بين الأسف والحسرة. ليس هناك أسوأ من أن يمر العمر ويجعلنا نستطيع أن نرى بوضوح ونفرق بين السنوات في حياتنا وان الأيام لا تتشابه أبدا، ونكتشف أن هناك سنوات لم تكن مدرجة ضمن سنوات العمر الحقيقي قد ضاعت هباء دون فائدة، ودون أن نحقق فيها شيئا. عندما نغفو وتمر بنا الفصول فنفيق وأوراق الخريف الصفراء قد تناثرت قي حياتنا دون أن نتذكر مساحة العمر الخضراء وزهوره. فلا شك أن سوء تقديرنا لسنوات العمر الغالية، وتقييمنا وحلولنا الخاطئة لتجاربنا الشخصية في الحياة، هي ما قد يفوت علينا ضياع سنوات من العمر دون أن نحقق فيها شيئا. كم من شخص أفاق في لحظة على هذه الحقيقة المرة التي لا تجدي فيها العودة للوراء، فلا الزمن يعود، ولا عقارب الساعة تغير مسارها وتدور عكس اتجاهها. من المهم أن نطلق النظرة الشاملة التي تستطيع أن تعطينا رؤية أكبر لخيارات أكثر في الحياة. كثيرا وعندما أستقل القطار في بعض الرحلات، وأجلس بجانب النافذة العريضة أتذكر ما يسمى بالسنوات الضائعة في الحياة، وأتساءل عن وجه الشبه بين القطار وبين الحياة، هما يتشابهان كثيرا في المضي بسرعة، فالقطار يطوي المسافات، كما تطوي الأيام العمر، وهناك فرق كبير بين من يركز نظره خلال مضي القطار على شيء واحد، ومن يستمتع بنظرة شاملة ترى كل ما يمر به القطار بشكل أكبر وأجمل. وكثيرا ما أتذكر سيدة رأيتها يوما حين قالت بأسى: لسنوات طويلة انتظرت أن أرزق بالأولاد، ولم ترد مشيئة الله تعالى ذلك، فمرت السنوات وأنا أنسج في الأيام الحزن واليأس، وأرفض كل متع الحياة الأخرى من سفر، ومشاركة في المناسبات، لأفوت على نفسي الفرح والسعادة التي أراها في عيون الآخرين وحديثهم، ومر العمر وأنا أركز كل تفكيري ورغبتي في شيء واحد، وأشعر بالندم على كل ما فاتني وعلى سنوات العمر الضائعة، خاصة انني لم أنتبه أن كل الآخرين الذين كنت أرى السعادة في وجوههم كان منهم من لم يقدر له الزواج، ومنهم من لم يقدر له الأبناء ومنهم من لم تقدر له الصحة أو المال، وأشياء كثيرة كثيرة كنت أنعم بها بينما هم يرونها. فالسنوات الضائعة من حياتنا، هي تلك السنوات التي حكمنا نحن على ضياعها، فهناك من الناس من يسخر حياته لغيره، كمن يرعى أبناءه بعد رحيل شريكه، أو من يرعى أحد والديه ويمر به العمر دون ان يفكر أن يبني لنفسه أسرة جديدة، ومع ذلك فهو لا يشعر أبدا بأنها سنوات ضائعة في حياته، ولا يتعامل معها بهذا المنطق، بل يراها أخصب سنوات العمر لأنه قدم فيها شيئا يحبه ويرغب فيه وأحد أسباب سعادته. لا شك أن السنوات التي نعتبرها سنوات ضائعة في حياتنا هي في الواقع ليست ضائعة أبدا، بل هي التي نخطئ فيها باختيار الأفضل، ونؤجل فيها وضع الحلول لمشكلاتنا واختيار القرارات المهمة ويمر بنا العمر دون أن نحقق سعادتنا، وبعدها ننظر للوراء لنحصي كم من سنوات حياتنا قد ضاعت هباء. علينا أن نقبل أقدارنا، فليس المهم أن نحصل على كل شيء في الحياة، فالأهم من ذلك أن نقدر ما حصلنا عليه. علينا ألا نركز على ما أخذته منا الحياة ونعيش نندب حظنا العاثر، وننسى أن ننظر للكثير الذي أعطتنا إياه، نحن من علينا أن نرضى، وليست الأقدار هي من ترضينا. ومع كل ما يمر بحياتنا نحن من علينا الاختيار، ومع علينا أن نسير حياتنا ونرضى بأقدارنا، وإلا فسوف تكون الكثير من سنوات حياتنا مدرجة ضمن.. السنوات الضائعة. لولوة الكواري [email protected]