11 سبتمبر 2025
تسجيللم يستطع بومحمد تمالك نفسه فاندفع مسرعاً خارج المجلس، وما أن بلغ سيارته حتى سمع صوتاً من خلفه يناديه " بومحمد، بومحمد توهل (أي انتظر) ياخوي وينك رايح"، التفت بومحمد لمصدر الصوت فإذا هو صديقه الحميم بوسعد، ولكن الغضب كان قد بلغ مبلغه، فتجاهل بومحمد نداء صاحبه، وهم بفتح باب سيارته للمغادرة، ولكن بوسعد استطاع أن يصل إليه قبل ان يصعد لسيارته، وقال له "وسع صدرك يا بومحمد ما صار إلا الخير" أجاب بومحمد بنبرة الغاضب الحانق " إلا الشر بعينه وعلمه، والله الحشيمة لك وللي في المجلس وإلا كان عرفته سنع الله (عبارة تهديد) "، أقبل بوسعد على "خشم" بومحمد ليقبله كأسلوب اعتذار، وقال له "إني طلبتك فديت خشمك (أسلوب جميل لتهدئة الغاضب)، اذكر الله والرجال ما يقصد شي بكلامه، وأنتوا كلكم ربع وإخوان ". نجح بوسعد في اسكات الغضب عن بومحمد وإرجاعه إلى المجلس، وما أن دخلا معا حتى أقبل بوشاهين مسرعاً ليحتضن بومحمد ويقول له " افاا يا خوي تزعل مني وأنا خويك (صديقك) والله ما قصدت شي بكلامي "، رد بومحمد" خير إن شاء الله " وتوجه إلى مكانه المعتاد في المجلس وجلس وعلامات الغضب ما زالت تعلو وجهه. ساد الصمت والهدوء للحظات قليلة ثم تكلم بوسعد فقال " يا جماعة اذكروا الله وصلوا على النبي، كلكم لكم الحشيمة والكرامة، واحنا ترى إلا نسولف ونتعايا (نتجادل) ونتغشمر علشان نوسع صدورنا، فلا تأخذوا الأمور بصورة شخصية"، رد بومحمد سريعاً " أنا ما خذت الأمر شخصي لكن بوشاهين ما له حق يغل نغزات علي (يلمح من بعيد) اني ما اخترت المرشح الأفضل، وإن مرشح دائرتنا مثل ما يقول برو برو بيا بيا (جملة فارسية معناها اذهب اذهب تعال تعال أي امعة)، انا ما أرضى على ولد عمي ولا علي منكم (لا اكترث بكم)"، رد بوشاهين بكل هدوء " يا بومحمد أنا صحيح قلت " برو برو بيا بيا " ولكني ما كنت اقصد مرشحكم بالذات، أنا قلت إن بعض المرشحين في بعض المجالس النيابية وأنا أتكلم عن المجالس في كل دول العالم مب اللي عندنا، إن فيه نوابا هدفهم البقاء في الكرسي أطول مدة ممكنة، وعلشان جذيه (ولهذا) يصيرون إمعة، لأنهم ما يبغون يخسرون الامتيازات اللي كانوا يحلمون بها"، واصل بوشاهين حديثه وقال " وياخوي كل من وصل المجلس منا وفينا، وكلهم والنعم فيهم ولو ما هم كفوا كان ما أوثقت الناس فيهم وعطتهم أصواتها، والله إني ما قصدت لا مرشحكم ولا مرشح غيركم وكلامي كان عاما على كل من يصل إلى كرسي المجلس ولا ينفع أهل دائرته ومجتمعه ويكون همه أن المسؤولين يرضون عليه"، قاطع بو محمد بوشاهين فقال " لكن شمعنى ما علقت وقلت هل الكلام إلا عقب ما الجماعة اذكروا اسم ولد عمي" رد بوشاهين سريعا " والله إني كنت بتكلم قبل وبقول لكن ما حبيت اقطع سالفتكم، والشباب تدري انهم بس يحرونك (يغيظونك) لأنك صوت لولد عمك وإلا هم كلهم يدرون عنه انه كفوا والنعم فيه". تدخل بوسعد في النقاش محاولة منه لإطفاء نار الغضب والشك التي اشتعلت في مجلسه، فقال مخاطبا الجميع " يا جماعة الهون ابرك ما يكون (مثل شعبي)، ويا بومحمد أنت تدري بمعزتك عند بوشاهين، وبعدين ياخوي ما يصير كل من قال رأيه بشكل عام نفسر رأيه ونواياه على كيفنا ونقول انه يقصد شخصا أو كيانا معينا، وهذه حرية رأي كلن يطرحها في حدود الاحترام والقوانين اللي ما تغتر حد (لا تخفى عن أحد) وكلن ملتزم بها"، تابع بوسعد كلامه فقال " بعدين يا جماعة بصراحة انتوا مايتكم حامية (تشبيه بلاغي معناه التحامل على امر ما) على إخوانا في المجلس، كل ما صار شي قلتوا وين أعضاء المجلس ما سووا ولا فعلوا وكأنهم صاروا الشماعة اللي نعلق عليها كل مشكلة يواجهها المجتمع، تراهم سلطة تشريعية ماهم بسلطة تنفيذية وانتوا تبغونهم يصيرون تشريعية وتنفيذية وقضائية وكل شي وهذا الكلام غير موجود ولا في أي برلمان في العالم". انقضت الليلة ورجعت المياه إلى مجاريها بين الأصدقاء، وذهب كل إلى منزله، وفي الليلة التالية التقوا مرة أخرى ليتجاذبوا أطراف الحديث وليتجادلوا مره أخرى، ولكن في موضوع آخر وكأنهم ادمنوا "المعاياه (الجدال)" فيما بينهم. وختاما أقول، نصت المادة 76 من الدستور القطري على أن " يتولى مجلس الشورى سلطة التشريع، ويقر الموازنة العامة للدولة، كما يمارس الرقابة على السلطة التنفيذية، وذلك على الوجه المبين في هذا الدستور." وفي شهر أكتوبر من العام الماضي بدأ مجلس الشورى المنتخب الجديد القيام بمهام أعماله كسلطة تشريعية في البلاد، ومن ذلك التاريخ حتى الآن لا يكاد يمر يوم إلا وهناك من يوجه اللوم للمجلس بتخاذله عن أداء واجباته ومهامه، ناسيا أو غير مستوعب معنى صلاحيات المجلس التشريعية والرقابية، والتي يتم الخلط بينها وبين صلاحيات ومهام ومسؤوليات السلطة التنفيذية التي تتولاها الحكومة لا المجلس، وباعتقادي انه من السابق لأوانه تقييم أداء أعضاء المجلس على أساس المعطيات الحالية، وعلينا أن نتحلى بالصبر والحكمة قبل البدء في إطلاق الأحكام غير المنصفة. @drAliAlnaimi