15 سبتمبر 2025
تسجيللم تمرّ على منطقة الخليج العربي أزمة أقسى وأعنف من الأزمة الحالية، التي ورَّثها حصار " الأشقاء" لدولة قطر، والذي مضى عليه أكثر من ستمائة يوم. ولم يحصل أن تبادل أهل الخليج هذا النمط المؤلم من العبارات والسباب، وقام بعضهم – في دول الحصار- بحرق أعلام دولة قطر، وصور الرموز السياسية فيها. ولم يحصل أن تدخّل بعض " المرتزقة " من رجال الدين المتلونين واصطفوا في مراسم السياسة، تاركين شؤون العبادة والدعوة الصالحة، وتهذيب النفوس المريضة!؟ كما لم يحدث أن تلوّثت ملاعب كرة القدم بالأحذية والنفايات، بعد أن كانت عامرة بالابتسامات والزهور. أهل الخليج في محنة اليوم، ولابد للعقلاء منهم من محاولة تهدئة الأوضاع، ووقف الشحن الإعلامي " الكاذب"، والترفع عما يقوم به بعض الصبية، وللأسف، تبعهم مفكرون، كنا نصفّق لأفكارهم السابقة، ونُشيد بآرائهم في المنتديات، ولئن دخلَ المفكرون على هذا الخط، فإن لومنا وعتبنا على " الصبية" لا يكون في مكانه. إن خطاب الكراهية الذي يطلُّ من الشاشات وعلى وسائل التواصل، خطابٌ تحريضي لن يستفيد منه أهل الخليج، ولن يُغيّر واقع الحال!؟ نقرأ عشرات المقالات ومئات التغريدات المشحونة، والتي تقطر سِباباً وعُنفاً وكراهية بين أهل الخليج! ولقد زادَ إوارُ هذه الحرب بعد فوز منتخب قطر بكأس الدورة الآسيوية 2019 في أبوظبي. ودخل الإعلاميون في حرب مُستعرة، وقام بعضهم بتأليف القصص، وتوليف الصور، من أجل تشويه الفرح القطري!؟ بل إن محللين سياسيين دخلوا على الخط، ومارسوا الاستهزاء على الانتصار القطري، وعابوا على القطريين فرحتهم!؟ لا نعلم لماذا؟ وما فائدة هذا الخطاب التحريضي الذي يأتي من أساتذة يُدرسون الطلبة علم السياسة والدبلوماسية. هنالك تحركاتٌ في منطقة الخليج العربي، بعضها مُعلن وبعضها غير مُعلن، تُنبئ عن تغييرات في بعض دول المنطقة، ناهيك عن امتعاض ديني واجتماعي لتحركات من نوع آخر يجري في بعض دول المنطقة، في مخالفة لواقع حال التاريخ السياسي والاجتماعي لهذه الدول، نتيجة إجراءات القمع التي جرت في بعض دول المنطقة، وتجاوز حقوق الإنسان، التي تزامنت مع إجراءات لانفتاح مفاجئ لتحوّل سلوكي، كان من التابوهات قبل خمس سنوات!؟ نحن نُحذّر من الانزلاق السياسي، الذي تمت ممارسته منذ 25/6/2017، بإعلان كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، إضافة لمصر، فرض حظر على دولة قطر، ومنذ ذلك التاريخ بدأت مناوشاتٌ إعلامية غريبة على سلوك أهل الخليج، وبدأت العائلات المشتركة تٌقطّع أوصالَها مع بعضها البعض. بل وزاد في الأمر، أن تتحزّب هذه العائلات، إما غباءً أو خوفاً من عقاب التعاطف مع دولة قطر، في تناسٍ واضح لأواصر الدم الذي لوثته السياسة. ولقد قام سمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد بجهود حثيثة، لمحاولة تقريب وجهات النظر بين " الأشقاء"، كما كان الموقف القطري جلياً في الدعوة للجوء إلى الحوار، والذي كرره حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى في أكثر من مناسبة، وهي الدعوة الحضارية لحل أي خلاف بين الأشقاء. إلا أن تلك الجهود والمواقف واجهت العديد من العقبات المتمثلة في رفض دول الحصار، أية محاولة لنزع فتيل الحرب التي شُنت على دولة قطر، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وإعلامياً ونفسياً. وتحولت الشاشات إلى منصات حربية، مُورس من خلالها الكذب والتلفيق من قبل دول الحصار الأربع، ولم يظهر صوتٌ عاقل، اللهم ما ندر، يدعو إلى تحكيم العقل، والتمسك بعُرى الأخوّة التي ربطت فيما بين شعوب الخليج على مرّ التاريخ. إن ما جرى من أحداث، خلال العامين الماضيين ألغى دورَ مجلس التعاون، وقطَّع أواصر العائلات في المنطقة، وروّجَ لخطاب الكراهية والبغضاء بصورة يصعُب علاجها. إن أجيال الشباب الذين وجدوا أنفسهم مُتخندقين وراء هذا الفريق أو ذاك، لا يسمعون ولا يقرَؤون التاريخ المشترك، فكيف سيكون مستقبلهم عندما يصلون سن الثلاثين أوالأربعين؟ وماذا سيقولون لأبنائهم،عندما يردُ اسم دولة قطر في الأحاديث؟ وبها يسكن أبناء عمومتهم وأبناء خؤولتهم، ثم ماذا عن الطلبة الذين يُدرّسونهم في الفصول تحريضات على كراهية الشعب القطري، ولقد شاهدنا مدرسين يمارسون هذا النوع من أعمال التحريض في دول الحصار!؟ أين رجال الدين الذين يخافون الله ؟ ألا يوجد بينهم راشدٌ يقف وقفة رجل مؤمن، يخاف الله، ويدعو أصحاب القرار إلى كفّ الأذى عن القطريين، وأن تسود المحبة منطقة الخليج، بعد أن أثبتت الأيام، أن ذاك الحصار لم يفتّ في عضد القطريين، ولم يحقق أية مكاسب لدول الحصار، بل على العكس، لقد كان الحصار دافعاً لنا أن نعتمد على أنفسنا، وننظر إلى المستقبل نظرة مختلفة. لقد تشظّى العراق واليمن وليبيا وسوريا بصورة لم يسبق لها مثيل، وها هي المكائد تترى في منطقة الخليج، والمؤامرات تُحاك من الأهل ضد الأهل، دون أن يبرز العقلاء، ويوقفون هذا العبث واللعب بالنار، والتخوين، والغيرة، وسوء تفسير المواقف السياسية. إن الأمن الذي نعمت به دول منطقة الخليج منذ استقلالها في بداية السبعينيات نعمةٌ من الله، لا يجوز التفريط بها، وإن أي عاقل لا يودّ أن تمتد النار إلى بيته أو مدرسته أو قصره!؟ وهذه دعوة لكل خليجي أن يقرأ أوراق اللعبة بتعقل، ودون اندفاع "شوفيني" كي يثبت حبّه لقيادته أو وطنه، حتى لو كانت قيادته أو وطنه لم يكونا على حق في فرض الحصار ضد الأشقاء في دولة قطر. يقول كاتب عماني (مسعود الحمداني): " ما يحدث بين شعوب الخليج أمر لا يُصدّق، ولا يقبله عقل ولا منطق.. تحوّلت هذه الشعوب المسالمة إلى كرة مشتعلة من حقد وكراهية وفتن، وتغيرت بوصلتها الودودة، بين ليلة وضحاها، إلى خانة لا يمكن تفسيرها. لغة تتباهى بالحقد، وتكرّس للطائفية والشعوبية... وقامت بعض الدول بتفعيل " شرائعَ حمورابية" محرّضة على البغضاء والفُحش في الخصومة، وجرّمت – حتى التعاطف – مع الشعب القطري، شقيق الأمس". ( https: //alroya.om/post) إن الذين وُضعت على أعينهم غشاوةٌ يجب أن يُزيلوها، ويروا حقيقة هذا العالم، وأن يعملوا عقولهم فيما تم حولهم في المنطقة، متمثلاً في هذه الفتنة بين أبناء الخليج الواحد، وكيف تم تحويل ذاك الحبِّ والأخوّة والفزعة إلى حالة لا يجوز أن تَحلَّ بين الأخوة. وأملنا كبير بأن يقوم جلالة سلطان عُمان، مع سمو أميردولة الكويت، بمبادرة جديدة، فهما الأجدر والأقدر على نزع فتيل الأزمة، وإعادة الأمور إلى نصابها، دون المساس بسيادات أي من دول المنطقة. إن العالم يعجُّ بالأفكار والاتجاهات، ولابد وأن يختلف الفرقاء، في وجهات النظر، إلا أن طاولة الحوار تجمعهم، ورؤية الواقع تقرّبهم، وهذا هو الاتجاه العالمي هذه الايام، إذ تكفي الشعوب المنكوبة نكباتها وويلاتها، ولا يجوز الانجرار نحو التخريب، وعمليات العصابات، والانقضاض على ممتلكات وحقوق الغير بصورة همجية تؤذي الشعوب الآمنة، وتخلق بؤَراً للتوتر والعنف. فيا أهل الخليج، اجتمعوا على كلمة سواء وهي (حق الشعوب في العيش في أمن وسلام).