17 سبتمبر 2025
تسجيلجلست مع والدتي في غرفة الانتظار وحولي عدد من أولئك الموجوعات من قلوبهن، تألمت لألمهن رغم أنني لا أعلم دقة مصابهن ولكني أعجبت بصبرهن وأحيي ابتسامة محياهن التي لا تفارقهن رغم أنهن موجوعات في "الدينامو". سرحت بي أفكاري ودخلت بخيالي غرف قلوبهن لأتفحص باي غرفة منها يأتي وجعهن، خصوصا أن الطبيب الذي يطلق عليه في علم الطب "كارديولج يست" ما فتئ يثقفني في كل زيارة ويؤكد لي أن للقلب حجرات متعددة، غير أن له قطاعات أكثر ليست فقط هي تلك الأربع التي عكفت ظنوني عليها بان للقلب بطينين وأذينين. أشار الطبيب بان للقلب شمالا وجنوبا أيضا وكانت تلك المعلومة أحدثها بالنسبة لي في محاولة من الطبيب لشرح ماهية عمل القلب وتدفق ما يضخ لقطاعاته كلها مثله مثل الأرض، المعلومات جعلتني أنتظر في استراحة سرحت في جنوب قلوب الناس وشمالها، رغم تشابه قلوبهم في الشكل والوظيفة إلا أنها ليست واحدة، حتى الوجع ليس واحدا وأيقنت أن القلوب مثل الأراضي يكسوها الربيع وقد يكسوها الجفاف والتصحر أيضا.. حصلت محادثة بيني وبين المريضات في غرفة الاستراحة رغم تحفظي في السؤال مخافة أن اُنهر أو اُزجر إذ يعتبر هذا السؤال تدخلا في الشؤون الداخلية للبشر، ولكني فضولية المعرفة إذ أنني لا ألقي بالا "لسوالف" المجتمع بقدر ما تهمني المعرفة القلبية على وجه الخصوص ومحاولة مساعدة من استطيع مساعدته. وجدت منهن كل تفاعل ورغبة في الافصاح عن معاناتهن خصوصا ان الوجع جماعي باختلاف اعراضه واسبابه، فعلمت ان تلك تعاني من تصلب في شرايين القلب، واخرى تعاني من انسداد في الأوردة، واخرى في فشل القلب واخرى في الصمام، واخرى من زيادة في كهرباء القلب، وللعلم انه حتى كهرباء القلب كانت ثقافة جديدة دخلت علي فحالما دخلت على الطبيب أسأل فقال نعم، ألم اقل لك ان للقلب حجرات اولا تحتاج الى تهوية واكسجين وكهرباء ايضا، المهم في ذلك كله انني تابعت مسيرة المعرفة القلبية. حتى فطنت انه ارض بأكلمها ومع ذلك لم اتمكن من سبر اغواره وعلمه فغبطت طبيب القلب ونعيت على نفسي اميتي الطبية. لفتت انتباهي بشدة واحدة قبعت في طرف الغرفة تبدو منسحبة تماما وقد شحب لونها، عملت معرفتي المتواضعة كلها فحللت بان تكون اصيبت في الشريان التاجي على ما يبدو وعز عليها ذلك لانها شابة في مقتبل العمر، وبدت لي وكأنها تحتضر لأنها منسحبة من كل ما حولها مع سحنة من الحزن العميق، سألتها اذا ما كانت تعاني من زيادة او ما يسمى تسارع في ضربات القلب التي فاقت المعدل الطبيعي فتذكرت السبعين نبضة في الدقيقة وكأنني احفظ درسا عرفته من الطبيب واخشى ان انساه! قلت بعامية:"يعني كم نبضة فوق السبعين؟" رمقتني باستخفاف فارتجفت لانني لاحظت انها لا تستطيع التنفس من شدة وجع قلبها او من شدة خفوت وهجه.. فأدركت انها تعاني من تباطؤ نبضه، فجعلتني افكر، ربما هو اصعب واقوى، او ربما... قطعت عليّ الحديث خدمة مستشفى القلب الجديدة التي تحيي القلوب في المرضى وان لم يريدوا فجاءت النادلة تنادي: شاي، قهوة، ماء......... كل المريضات أجبن بحيوية بالغة منهن من تريد الشاي، ومنهن من تريد القهوة ومنهن من تريد النسكافية. بالطبع وهناك الكثيرات اللاتي لا يردن شيئا فاكتفين بالماء في خدمة مجانية... ولكنها هي هي ذات النبض البطيء... على وضعها لم تُدِرْ حتى طرفها للنادلة. اخذت مع المنتظرات كوبا من القهوة بالحليب... لأطرد النعاس وووجدتها مناسبة لأشبع نهم المعرفة لدي فالتفت عليهن أسأل عن اثر الكافيين على قلوبهن كما اجد اثره على ذهني.. وهل يحرّج عليهن الطبيب تناول شيئا منه سواء في اليوم او في النهار او في الليل....... انعشتني القهوة رغم ان النادلة زادتها سكرا على غير رغبتي... فكانت عاملا اخر في زيادة الطاقة..... تجاذبنا اطراف الحديث والممرضة تنادي كل الى دوره والكل مبتسم.... حيوية تامة عشتها مع عوالم القلوب في غرفة استراحة واحدة مشبعة بالأمل والرضا التام بقضاء الله وبفضل هذا البلد الطيب "قطر" الذي خرج نباته بتخصيص مستشفى متكامل فقط لقلوبهم دون ان تشارك مملكته جارحة من جوارح الجسد الاخرى. التفت على والدتي فوجدتها رغم ألمها سعيدة بنتيجة الفحص وسلامة الجهاز المركب لها وهي كعادتها في كل زيارة لمستشفى تشكر الله على نعمته ثم تدعو لأمير هذا الوطن "اللهم احفظه لنا" خصوصا انه احيا القلوب الموجوعة بهذا التخصيص الذي قطع مسافات وأوقاتا من الانتظار ووجع القلب، رددت وراءها النسوة: اللهم آمين....... اللهم آمين... وهن يدعين الله ان يخصص لهن مستشفى لاحياء عظامهن وهي رميم. ولكن عيني لا زالت على تلك الفتاة الثي بدت لي في بداية العقد الثالث من عمرها والقابعة في اخر غرفة الاستراحة وقد وضعت قبضتها على قلبها وكأنها تعصره او يعتصرها، لفتت انتباهي بين الجميع لانها كانت الوحيدة التي لم تعرف الابتسامة طريقا لشفتيها مع مسحة حزن رغم سحنة الجمال الواضحة عليها. وبعد خروجها من الغرفة الخاصة باكبر استشاري في القلب في البلد، عرضت عليها ان أساعدها واسير للصيدلية لأخذ روشتة الدواء لاحضره نيابة عنها لتستريح خصوصا انها كانت بمفردها مع خادمة وتبدو منهكة ومتثاقلة الخطوات، رمقتني وهي مطرقة،....احرجت جدا وخشيت ان اكون مرة ثانية قد تدخلت فيما لا يعنيني رغم صلاح نيتي، وضعت كفها على قلبها وهي تنحب: ليس لي روشتة وقد عجزت مستشفيات لندن وباريس واميركا والسعودية وحتى قطر. أطرقت نظري في الصرح العظيم المشاد حولي والمخصص فقط لمرضى القلب وأوجاعه والمزود بكل تلك الأجهزة الحديثة والعلاج المتقدم وخيرة الأطباء المهرة مما وفرته الدولة، والجهود التي بذلتها الدول ووضعتها البشرية من صمامات وادوات بديلة وزراعة ومزارع للقلوب......... سكبت دموعي الحارّة متألمة لعجز الطب وفنونه عن مداواة قلوب مكلومة جرحها "الحُـــــــبّ".