30 سبتمبر 2025
تسجيلأحدثت مبادرة رئيس الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة معاذ الخطيب التي تضمنت استعداده للجلوس إلى طاولة الحوار مع ممثلين عن النظام لم تتلطخ أيديهم بالدم السوري، في مكان محايد، شرط أن يطلق النظام مئة وستين ألف معتقل، وتجديد جوازات السفر لمئات آلاف السوريين في المنافي، أحدثت ـ وما تزال ـ ردود فعل واسعة النطاق بين تأييد ومعارضة، على مستوى الائتلاف وفصائل الثورة والأحزاب والتجمعات السورية في الداخل والخارج، وعلى مستوى المجتمع الدولي والدول الإقليمية. سنكتفي بالحديث عن مواقف الصف السوري وتأثيرات المبادرة والفاعلين الدوليين عليه، خشية من تشرذمه وتمزقه وذهاب ريحه. لأنه الأهم في مواجهة نظام شرس هو النظام السوري، وداعمين ولغوا في الإجرام كالنظامين الإيراني والروسي. بداية لا اعتراض على نوايا رئيس الائتلاف فهو شخصية وطنية ذات تاريخ نضالي مشهود لها، لا يمكن أحد أن يشكك فيها، ولا اعتراض على مبدأ المبادرات السياسية، التي تطلق في إطار الثورة السورية، بل هي مطلوبة، لأن الحراك الثوري لا بد له من استثمار سياسي في نهاية المطاف، وإلا صار فاقدا للقيمة، أي أن الأول وسيلة لبلوغ الآخر (الغاية). الاعتراض على جملة أمور لعل أهمها: ـ المبادرة جاءت فردية، ولم تناقش في أطر الائتلاف، ومن ثم لم تحظّ بأغلبية أو إجماع أو توافق الائتلاف، المشكّل أصلا من أطياف شتى من الأحزاب والقوى السياسية، وفداحة الأمر هنا عدم اعتماد منهج الشورى والتوافق، وبخاصة في المسائل والمواقف الجوهرية التي تهم الشعب السوري ومستقبل ثورته، وهو ما يخشى أن يتسبب في لحظة من اللحظات في شقّ صفوف الثورة السورية، في وقت هي أحوج ما تكون فيه إلى التوحد والتماسك في وجه المتربصين بها، ويزداد هذا الأمر خطورة إذا علمنا أن المبادرة خرقت أحد ثوابت الائتلاف التي نصت عليها أدبياته التأسيسية، وهو عدم الحوار مع النظام أو أي رمز من رموزه. ـ حديث رئيس الائتلاف عن انسداد الأفق، وتنكر العالم لوعوده فيما يخص دعم الثورة السورية بالمال والسلاح النوعي، لا يبرر بحال من الأحوال الذهاب إلى حل أكثر سوءا، أو تسليم رقبتنا من بوابة أخرى للجلاد الذي سفك الدماء، أو للكاذبين الذين أغدقوا الوعود على الثورة السورية بمجرد تشكيل الائتلاف. الثورة بدأت من الصفر ولا ينبغي إعادتها إلى تحت ما تحت الصفر. ـ لم تكن المبادرة أكثر من فخّ نصب للسيد معاذ الخطيب وللائتلاف وذلك لكي يتمكن المجتمع الدولي من الهروب من مسؤولياته الأخلاقية ووعوده التي أطلقها، فإذا تجاوب الأسد، وهو أشبه بالمستحيل يجدون منفذاً لتبرئة الذمم، وإن لم يتجاوب تكون الدبلوماسية الدولية قد أسقطت ما يشبه قنبلة برميلية سياسية على صفوف المعارضة، وهو ما يحدث خصوصا مع رفض الأسد عمليا للمبادرة. ومعروف أن الولايات المتحدة والغرب لم يعودوا ينظرون إلى الثورة السورية إلا من منظار التخوف من منظار جبهة النصرة والقاعدة والجماعات الجهادية، ومن زاوية عدم انتقال الأسلحة الكيمائية إليها وإلى حزب الله، وبالتالي الحرص على أمن الكيان الصهيوني، أو يتذرعون بذلك للتخلي عن تقصيرهم، رغم أنهم هم المسؤولون على وصول سوريا إلى هذا الوضع،لأن حراك الثورة في شهورها الست الأولى كان سلمياً بامتياز، ولم يجر الحديث عن جماعات جهادية، أو لم تدخل فعليا ـ على ضآلة عددها مقارنة بمجمل العناصر المسلحة في سوريا ـ إلا بعد عام على بدء الثورة. وحتى لو وافق الأسد على التنحي والرحيل فإن قوى إقليمية ودولية ترتبط مصالحها ونفوذها الإقليمي والدولي بوجود نظامه لن تسمح له بذلك، وستبقى تقاتل عنه ويقاتل عنها حتى آخر رمق، لأن استمرار نظام دمشق الحالي بالنسبة لهم مسألة حياة ووجود. ـ مثل هذه المبادرة تحصر المعارضة في البحث عن الحل لدى الغير فقط، وتصرفها عن التفكير والإبداع في حلول أخرى هي بين أيديها أو مقصرة في بلوغها، ونقصد بذلك التركيز بصورة أكبر على دعم الحراك الثوري والجيش الحر على الأرض، ودعم صمود الشعب السوري من خلال المشاريع الاجتماعية والإغاثية وعمل المجالس المحلية، ومعروف أن الجيش الحر رغم عدم امتلاكه للحسم حتى الآن فإنه في تقدم مستمر، بما في ذلك على جبهة دمشق مدينة وريفاً، فيما يحتاج الشعب السوري لدعم مقومات بقائه على أرضه، وحشد الجهود اللازمة لذلك، لكي نخفف عنه من وطأة وصعوبة الظروف المرتبطة بطول أمد الثورة وتأثيراتها على معيشته وما لحق به من تضرر في أمنوه مسكنه وسبل رزقه. إن الشعب السوري الذي قطع أكثر من نصف الشوط، وربما أكثر من ذلك بكثير، بحثا عن حريته وكرامته، يحتاج من المعارضة ومن قوى الائتلاف أن ترفع من معنوياته، وتشد من أزره، وتقوي من عزائمه، بعيدا عن المفردات الميئسة، يحتاج إلى المعارضة التي تكون إلى جانبه قلبا وروحا وجسما، يحس بنبض حراكها وهي قريبة منه، أكثر من وجودها قرب القوى الدولية وفي محافلها. إن الإيمان بمعية الله وحتمية النصر على الظالمين هما أقوى الأسلحة التي يجب أن تتمسك بهما الثورة السورية، وتوصي أتباعها بالتمسك بهما طالما أنها في ركاب الحق وعلى دربه، مهما طال الزمن وعزت التضحيات، مع ضرورة توحيد الصف ورص الصفوف، وتعزيز حراك الثورة وصمود الشعب السوري، وكل الأمور تأتي بعد ذلك، بما في ذلك المفاوضات والعمل السياسي.