27 أكتوبر 2025
تسجيلميدان التحرير، شهد خروج سيدة مصرية مسنة حملت نفسها وهي عجوز بالكاد تمشي في طليعة أيام ثورة الخامس والعشرين من يناير وتوجهت للشباب باللهجة المصرية الجميلة: "أنا كنت بقول عنكم دول بتوع النّت ما فيهمش فايده، إيه اللي حييجي مننّهم غير المعاكسة والكلام الفاضي، ودلوقتي أنا جيت هنا بس عشان أبوس رجليكم" (نقبل قدميكم).. لتسطير تاريخ جديد هذا ما أرادته.. إذا افتتحنا بالقول: "مبروك للشعب المصري" وإخال كل المقالات هذه الأيام تدور حولها.. اسمحوا لي أن أتناول بزوغ فجر ثورة في ثورة.. ولأن الشيء بالشيء يذكر.... لم يجد تجار متاجر القاهرة بداً من فتحها بعد الإغلاق، افتتاح تلونه نشوة النصر والفخر بنجاح ثورة التحرير.. انتصر للمرة الأولى في تصادفه مع منتصف فبراير على تاريخ سبح فيه الشباب بل غاب في عالم الانترنت الوهمي الخادع ولسنوات طويلة مع تمثال مقدس سموه قديس الحب فالنتين غسل أدمغة الشباب وغيّبهم عن واقعهم.. ولم تجد متاجر تونس بداً من استرداد الرمق الأخير من أنفاسها بعد مصادرة حق الشعوب في بيع بضائع قوت يوم الإنسان وما يملي رمقه على عربة فقيرة يقودها صاحب أعلى الشهادات، تلك التي صودرت ولفظت أنفاسها وسحقت ترجمة لسحق عقل صاحبها سلفاً قبل أن يحرق نفسه، ناهيك عن شل قدرة التونسي البسيط على شراء جزرة أو خيارة، وسط تمرغ السوق الحمراء الرأسمالية التجارية ببضائع أسموها بضائع القلب. وفي لبنان.. اشتكى التجار من جمود الأسواق الحمراء "لتعكر مزاج اللبناني بسبب التجاذبات السياسية، وتزامن عيد العشاق مع ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري".. وفي الجزائر وليبيا وسوريا والأردن واليمن.. هب الجميع للمطالبة بتحسين أوضاع الشعب الحقوقية وبالإصلاحات السياسية والمدنية.. وهب بعض الحكام على إثرها بإعطاء مكتسبات حقوقية هي حقوق لشعوبهم وليست امتيازات.. وعلى حد قول الجزيرة: "لم يبقَ من الحكام من لم يع ِ الدرس"، لذلك تم رفع الحظر عن الانترنت والفيس بوك وتويتر واليوتيوب كأبسط حقوق الملتيميديا الفكر والكلمة والرأي التي كانت مصادرة في بعض الدول.. وفي بعض الدول العربية ومثلها دول الخليج (حولنا) هبت حركات ومطالبات نضحت عبر السيل الإلكتروني بوضعها موضوع رئيس "Trending Topic" على تويتر أو دعوات وتجمعات على الفيس بوك سواء في إرهاصات تظاهرات حقوقية أو سياسية أو حتى على سبيل حقوق اجتماعية كما حقوق المرأة في Saudi Women Movement. لغة الشباب قد تغيرت.. ومبيعات عيد الحب في عهد الفكر قد تراجعت.. "بخ ٍ.. بخٍ" أيها الشباب.. الحقوق المدنية.. والمشاركة السياسية.. اندماج العربي في أمته وقضاياها، إنها لتحولات فكرية فريدة تبشر خيرا بمخاض العقول.. زمن الخنوع والذل السياسي قد ولى محليا ودوليا، فقد أعيد تشكيل خريطة الوطن العربي الديمقراطية من خلال دعوات عنكبوتيه انترنتية سلكت طريقاً وادعاً سلمياً بدا مغايراً تماماً للطريق الدموي الذي اتخذته الأداة الانجلوأمريكية في تمزيق العراق، وإعدام قائده بأيديهم في سبيل دعوى فرض الديمقراطية عنوة.. إنه لفرق كبير بين أداة ناعمة خلعت رئيسين عربيين بـ "ثورة مسالمة" أطلقت الديمقراطية بلون رائق لم تعفره دماء مجازر بشرية صبغت دولة بلون الدم، وشتان بين وضع العراق وتونس ومصر. إنها لثورات شبابية فكرية لم تصدم حكام العرب بقدر ما صدمت البيت الأبيض، وألجمت لسان الساسة الأمريكيين في وجوم لم يسبق له مثيل، عجزت أعتى أدوات السياسة عن البت فيه وجوماً. كما أن الانصياع الرأسمالي في استحداث المناسبات للمصالح التجارية التي تقدم على موائد العواطف، والتردي الفكري السابق لشباب أريد تمييعه في سوء استخدام الأدوات الاتصالية فيما يحجم العقل ويذكي الغرائز ويأتي استنزاف موارده المالية تبعا، بات تاريخا يعاد تشكيله على خريطة الانترنت والملتيميديا والإعلام وجل الثقافة العربية. الحركة الشبابية.. بشرى خير لنا نحن العرب بتجاوز عقلية ذل الخنوع السياسي سواء بالجلد أو التخويف أو الترهيب، أو وسط ثورة لهو العشق والغرام عبر الفيس بوك أو الأسلاك والالتهاء بها إلى ثورة الحقوق والعقول وبذات الأدوات بمفارقة رائعة.. إن ثورات التحرير المتلاحقة خير شاهد ليس على إسقاط بن علي أو مبارك كرموز لظلم الشعوب فحسب، ولكن على بزوغ فجر ثورة فكرية في تاريخ الوطن العربي وعلى إسقاط تماثيل الاستعمار والتغييب السياسي والعاطفي وجلادين بسوط الساسة، وسوط الشهوة.. إنها عيد للشعب العربي ولكنهما صفعتان للسياسة الغربية في قلب مصنعيها وانهيار للبورصتين السياسية والتجارية. وألف مبروك للعرب ثورة تحرير العقول. كاتبة وإعلامية قطرية Twitter: @medad_alqalam medad_alqalam @ yahoo.com