19 سبتمبر 2025

تسجيل

المرض (بالوطن)

13 يناير 2021

هل يمكن ان يصاب احد بداء "الوطن"؟، هل يمكن ان يكون الوطن داء يصيب ابناءه؟، داء سببه الوطن تظهر اعراضه جلية بالذات في بعض المناسبات، كأيام الاحتفال باليوم الوطني، أو في الازمات كالأزمة الأخيرة عندما يتبلور الوطن في ذهن الفرد على انه شيء يمكن امتلاكه يتحول الى مرض يصيب ذلك الفرد، عندما يصبح الوطن حاضرا فقط يصبح داء قاتلا، عندما يعتقد الفرد او الجماعة، ايا كان شكلها، انها بحجم الوطن كله يصبح الداء متمكنا، عندما يصبح الوطن مناسبة فقط يصبح الوطن مرضا موسميا كأنفلونزا الشتاء، عندما يصبح الوطن مسرحا لاظهار ما يتنافى ومفهومه لابد من علاج الاسباب اولا قبل الاعراض الظاهرة، عندما لا يكون الوطن مصدرا للامان والاطمئنان وبديلا عن غيره من الولاءات يبقى مرضا مزمنا، لأن الشفاء بالانتقال اليه يبدو عسيرا. الانتقال الى الوطن علاج والذوبان فيه شفاء، والاصابة بدائه تعني مرحلة ما قبل الانتقال اليه، وان كان العيش فيه، عندما يكون الحبل السري موصولا بغيره يصبح الجنين في احشائه حيا ولكنه مريض بدائه أي "الوطن"، كالمرض البيئي ذاته لا يشفى صاحبه الا بالخروج عن اطار البيئة ذاتها، أو بالتصالح معها والتأقلم بشروطها، العيش في الوطن يتطلب علاجا وتطعيمات مانعة. كل الحروب الاهلية الطاحنة سببها الاصابة بداء الوطن، انظروا حولكم تجدوا الادلة واضحة على الصراع لامتلاك تاريخ الوطن، وادعاء الاحقية والاولوية والنقاء العرقي والاصطفاء القبلي. لماذا انتهى هذا كله في العالم المتحضر؟ لأنهم انتقلوا من مرحلة الاصابة بداء الوطن الى العيش في الوطن، المرض بالوطن ليس هو العيش فيه او من اجله، لا، انه العيش لامتلاكه كما يمتلك الطفل لعبته، لا يريد عنها تنازلا مهما كانت المبررات عقلانية، كأن تكون مسمومة مثلا او حارقة. عيشوا في الوطن ومن اجله ايها السادة، واعلموا ان اشد الداء هو ذلك الذي يكون الوطن سببه، وعلاجه الوحيد هو الرغبة والارادة الواعية للافراد ذاتهم اصحاب الشأن، ان الانتقال الى الوطن ليس هو التواجد جسدا فيه فقط وانما معايشته وعيا وادراكا، انه قضية ايمانية ايها الاخوة، آمنوا بالوطن سيكفيكم عما سواه. على الدولة كذلك ان تؤمن بالوطن لا بدائه او مرضه، عليها ان تكون الطبيب المداوي لأسبابه وليس للتخفيف من اعراضه فقط، عليها ان تكون بحجم الوطن لا بحجم دائه او امراضه. الوطن العربي عموما يعيش مرض أو داء الوطن، اول دلائل الشفاء منه يتمثل في سهولة الانتقال السياسي عبر الاجيال "وهي مرحلة الانتقال من الخنادق الصغرى الى رحابة فضاء الوطن الفسيح"، بشكل لا يؤثر على امن الوطن ولا على ثروته ولا على مجاله الحيوي وفي مقدمته المواطن نفسه. القضية، ليس سهلاً ان تعيش في وطنك دون ان تصاب بدائه وسط كل هذا التاريخ المثخن بداء الوطن واعراضه، في الاعتقاد بإمكان حيازته وامتلاك تاريخه دون غيره، وتحويل انتصاراته الى مكسب شخصي وإنجاز فردي وقنبلة صوتية تنفجر هنا وهناك. [email protected]