23 سبتمبر 2025
تسجيلما إن تغلق أبواب العزاء من بيت حتى يفتح في بيت آخر، إنها رائحة الموت المنبعثة من شواطئ سيلين بأجوائها الرمليّة والبحريّة، لامست البيوت الآمنة المطمئنة، حولتها إلى أوكار مظلمة يسودها الحزن والألم، ولامست قلوب الأمهات فجرحتها وآلمتها، وانفطرت حزنا ونزفت دما. فمن لا يحزن على شاب نَضِر قرّت عين والديه، رسم مستقبله من سنوات، ليحقق آماله وطموحاته، فيأتي الموت فجأة ويختطفه من حضن أسرته ومعه تموت كل أحلامه؟، من لا يحزن على سواعد شبابية أهلتها وقوتها الدولة لعملية البناء والتنمية، من أجل مستقبلهم ومستقبلها، فينتزعها الموت فجأة وتشل حركتها؟، من لا يحزن على والدين مكلومين، فقدا امتداد مستقبلهما وسلوة حياتهما ولدهما الوحيد؟، والحديث عما نرى وما نسمع عن الحوادث الأسبوعية الواقعة في منتجع سيلين ذو شجون.. يشعرنا بالخوف والقلق من تكرارها وازديادها، وما تخلفه من موتى وجرحى وإعاقات مستديمة، حتى تحولت هذه المنطقة الجميلة الممتعة بكثبانها الرملية الذهبية، وزرقة مياهها، وطعوسها المرتفعة، من مصدر للمتعة والراحة والاستجمام الى مصدر للموت، نتيجة الممارسات الخاطئة التي يقوم بها الشباب من الجنسين بسياراتهم ودراجاتهم النارية من استعراضات بهلوانية رعنة وخطرة على رمالها وطعوسها، معرضين حياتهم وحياة الآخرين إلى الموت، ولكن إلى متى يترك شبابنا ضحايا الاستعراضات المتخلفة؟! إلى متى يذهب الكثير ضحايا بلا ذنب تحت عجلات السيارات وبين ركامها نتيجة سرعة جنونية من صبيّ لم يتجاوز الثامنة عشرة؟، وما حدث أخيراً نموذج، كما نقلت واقعته منصات التواصل المجتمعية، من المسؤول؟! أين الرادع؟! أين الجهات المختصة بوزارة الداخلية؟! أين جهات المراقبة في الدولة؟! أين أولياء الأمور؟! وأين الجهات المختصة بالوعي الشبابي؟! وأين وأين؟! تساؤلات تطرح مع كل فاجعة تهب علينا من رمال سيلين وطعوسها، هل هي الرفاهية المفرطة التي يمنحها أولياء الأمور لأبنائهم؟! أم استبعاد الموت من فكرهم والذي هو أقرب من حبل الوريد؟، أم انعدام الرقابة الأبوية والغفلة الأبوية والتوجيه الأبوي؟، أم إنه الاستهتار بالقوانين والأنظمة المرورية وعدم احترامها والالتزام بها؟! أم إنها الغفلة الأبوية وفقدان التوعية والثقافة في التوجيه والمراقبة والمتابعة لسلوك أبنائهم وإرشادهم أثناء القيادة؟!. جميعنا رأى وسمع عن الحوادث التي وقعت منذ أيام في منتجع سيلين، وآخرها ما حدث الجمعة الماضية، وما خلفته من موتى وجرحى منهم ما زال في العناية الفائقة، نتيجة الرعونة الشبابية في السرعة والتحفيص والاستعراضات البهلوانية المتخلّفة التي ما أنزل الله بها من سلطان، وكما ذكر البيان الصحفي الصادر من الإدارة العامة للمرور خمسة حوادث وقعت في يوم واحد الجمعة 10/1/2020 م، رقم لا يستهان به، وعلى ضوئه اتخذت الإجراءات القانونية بشأن المتهورين من الشباب بمنطقة سيلين وضبطهم أثناء ارتكاب المخالفات المرورية الجسيمة، ومنها القيادة برعونة، التحفيص والتلاعب وإخفاء اللوحات، وتحويل مرتكبيها وغيرها إلى النيابة العامة، واتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم، حسب نوع المخالفة. التي نتمنى لها الاستمرارية في المراقبة والضبط والعقاب، لمن تسول له نفسه ارتكاب المخالفات وتجاوزها، وتوعية أولياء الأمور بها. ما يحدث يشعرنا بحرقة قلب الأم وهي تودع جسد فلذة كبدها بالدماء، وبدموع الأب الحارقة وهو يواري ابنه الثرى، كما يشعرنا بهواجس الحزن الطويل الذي يخيم على البيت، كما نُثمّن اهتمام الدولة بشبابها وجهودها في إصدار القوانين المرورية المتشدّدة والتوعية الثقافية، من خلال المدارس والجامعات، وما تقدمه من برامج ومحاضرات في كيفية التعامل مع الطرق واحترام قواعدها وأنظمتها حفاظاً على سلامتهم والاخرين. ولكننا لا ندرك ما الذي يدفع شبابنا الى هذا المنزلق الأرعن الخطير، والموت السريع، وهم يشاهدون ويرون ما يقع أمامهم، من دماء متناثرة وأجساد ممتدة بلا حركة، وسيارات مهشّمة، أليس ذلك كافيا ليكون رادعاً وعظةً؟، أم إنه انعدام الأخلاق والثقافة اللتين لا تجدان لهما مكانا في فكر من تسول له نفسه بالسرعة والتجاوز والاستعراض والعبث بأرواح الآخرين. نؤمن أن كل شيء بقدر، ولكن ليس هو الحكم الفاصل لإخفاء الحقائق والمسببات والأخطاء. نسأل الله لشبابنا الهداية والتأمل في قوله تعالى: "وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ، وَأَحْسِنُوا ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ". [email protected]