10 سبتمبر 2025

تسجيل

إعادة النظر في العقد الاجتماعي

13 يناير 2019

العمل على زيادة الاستثمار في التعليم والصحة خصص صندوق النقد الدولي العدد الأخير من مجلة التمويل والتنمية لمجموعة من الدراسات والمقالات، جمعها تحت عنوان رئيسي واحد هو «عصر انعدام الأمن – إعادة النظر في العقد الاجتماعي». وتقول السيدة كاميلا لوند أندرسن رئيس تحرير المجلة في افتتاحيتها للعدد إن انعدام الأمن الاقتصادي يشكل جوهر مشاعر الاستياء السائدة في معظم دول العالم التي تشهد صعودا للتيارات الشعبوية. ففي أعقاب الأزمة المالية العالمية، أخذ الناخبون في البلدان الغنية يفقدون الثقة في قدرة الدولة على حمايتهم. فما كان من التغييرات الجذرية التي تكتسح أسواق العمل، نتيجة زيادة التطور التكنولوجي واستمرار العولمة، إلا أن رسخت هذا الشعور بالقلق. وفي الوقت نفسه، ظل الناس في البلدان الفقيرة غير قادرين حتى على تأمين مستويات المعيشة الأساسية، بينما يخاطر كثيرون بحياتهم بحثا عن مستقبل أكثر رخاء. في ظل هذه التطورات المناهضة لتيارات العولمة والانفتاح، أرغمت الكثير من الدول على إعادة النظر في مفهوم وسياسات الحماية الاجتماعية. وتقول السيدة نعمت شفيق مدير كلية لندن للاقتصاد في بحث رئيسي لها في العدد إن التوصل إلى عقد اجتماعي جديد بات أمرا ضروريا لاستعادة الشعور بالأمن والحفاظ على التأييد السياسي للاقتصاديات والمجتمعات المفتوحة وتقصد بذلك التي تقبل بالعولمة وتفتح اقتصادياتها أمام الأسواق العالمية. فقد فرض هذا الانجراف على هذه الاقتصاديات والمجتمعات ممارسة سياسات النيوليبرالية التي تفتح أبواب المنافسة أمام المستثمر العالمي دون أن توازي ذلك مع أي سياسات من شأنها أن تحافظ على الرأسمال المحلي وأن تحمي العمالة المحلية. وبالتالي أصبحت مسؤولية رعاية العاملين أمرا مبهما. ومع الاستمرار في عملية الأتمتة، أصبح بعض العمال يجدون أنفسهم مهمشين، بلا أي احتمالات للتوظيف على الإطلاق. كذلك تؤدي شيخوخة السكان إلى ازدياد أعباء رعاية المسنين، بينما تنكمش أعداد العمالة الشابة نتيجة تناقص أعداد المواليد والهجرة. لذلك، تدعو السيدة نعمت شفيق إلى إعادة النظر في العقد الاجتماعي سواء تم ذلك من خلال تطبيق الدخل الأساسي المعمم، أو تحسين توجيه شبكات الأمان الحالية إلى المستحقين، أو زيادة الاستثمار في التعليم والصحة، أو مزيج من كل هذه السياسات. إلا أنها طبيعة الحال لا تدعو للنكوص عن العولمة. وينبغي على كل مجتمع إيجاد الحلول التي تتفق مع سماته المميزة. وينطبق المبدأ نفسه على القضية الجدلية المتعلقة بكيفية تغطية نفقات الحماية الاجتماعية. فالأمر في نهاية المطاف يتوقف على الطريق الذي تم اختياره. ولربما فيما تناولته هذه الدراسات فائدة كبيرة لدول مجلس التعاون الخليجي التي تشهد جملة من الإصلاحات الكبيرة يقوم معظمها على تحرير أسواق الإنتاج والعمل وزيادة المنافسة بهدف استقطاب الاستثمارات الأجنبية وزيادة الرسوم والضرائب على أصحاب الأعمال والمواطنين. ففي مثل هذا النهج محاذير كثيرة إذا لم يتزامن معه ويوازيه تعزيز شبكة الدعم الاقتصادي خصوصا لمنشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة والحرفيين وشبكة الأمان الاجتماعي للمواطنين. ولربما ولكون تلك الإصلاحات في بداية عهدها وانطلقت من نقطة حيث شبكة الأمان الاجتماعي جيدة تراكمت عبر العقود الماضية، لذلك، فإن المواطن في بعض الدول لم يستشعر بعد عبئها، لكن مع مرور الوقت على دول المجلس أن تتعلم من دروس الدول التي صعدت فيها تيارات شعبوية مناهضة للانفتاح والعولمة وأن تتجنب مساؤها، خصوصا إن معظم دول المجلس لها موارد مالية كبيرة يجنبها ذلك. بل العكس هو المطلوب، أن تبدأ بإعادة النظر أيضا في العقد الاجتماعي للحفاظ على استقرار اقتصادياتها ومجتمعاتها وديمومة برامج التنمية فيها.