31 أكتوبر 2025

تسجيل

جناية التربويين أكملت جناية الساسة على شبابنا

13 يناير 2015

أقصد بتعبير (جناية التربويين): استسلامهم ومجاراتهم لما يتشدق به التنفيذيون البلهاء من أهمية "ربط التعليم بسوق العمل"، هؤلاء التنفيذيون لا يدركون ما يدركه التربويون وعلماء النفس وعلماء الاجتماع حول "الطبيعة البشرية" أو حول "الإنسان" كإنسانٍ له حقوقٌ أساسية على الدولة وعلى المجتمع لمجرد كونه إنسانا فقط، لا لكونه يحمل هذا المؤهل أو ذاك، أو يتقن هذه المهارة أو تلك. ومن أهم حقوق الإنسان حقه في التعليم، وحقه في الحرية، فإذا اندمج هذان الحَقَّان أنتجا حقًّا واضحا هو: حرية الإنسان في اختيار التعليم الذي يريده، بحيث تنضبط هذه الحرية بضابط واحد لا غير، هو: أن تكون قدرات المتعلم العقلية وافية بما يتطلبه ما يختار تعلمه من شروط ودرجات.واعتمادا على هذه الفلسفة يجب أن تُبْنَى السياسة التعليمية، بحيث تنتج المدارس والجامعات: مواطناً، إنساناً، سويًّا، منتميا للبيئة التي قدَّرتْ قدراته، ويسَّرتْ له سبيل تحقيق حلمه في تعلُّم ما يحب بمنتهى الحرية.فإذا لم يكن التنفيذيون على مستوى هذا الفهم الفلسفي السليم، فالأجدر بهم ألا يكونوا على وعيٍ – مطلقاً – بما يسميه التربويون: السياسة التعليمية. ومن ثَمَّ تراهم يخبطون خبطا عشواء في قيادتهم لمشروعات تعليمية جوفاء خاوية لا تنتج إلا حملة شهادات لا يدركون ما هي؟ ولا ماذا تُغني عنهم؟وتراهم يسارعون إلى ما يسود المجتمع من مشكلات مزمنة كالبطالة الخانقة الضاغطة، فيسارعون إلى رفع شعارهم البائس (ربط التعليم بسوق العمل) وهم في ريب - مكتوم - من أن سياساتهم الخرقاء ستحقق ذلك!!وآية ذلك: 1- أن المناهج التي تُدَرَّس الآن في العلوم الطبيعية والرياضية متخلفة أشد التخلف عما هو موجود في سوق العمل في بلداننا العربية. وبالأحرى الدول الأخرى الأكثر تقدما.2- أن فكرة (ربط التعليم) بأي هدف آخر غير المواطنة: هو محض جهل بالتاريخ وبالواقع. ففي حقبة الاستعمار البريطاني لمصر حرص الإنجليز حرصا شديدا على عدم التوسع في التعليم الراقي، لكيلا تتفتح عقول المصريين على حقهم في الحرية ومقاومة الاحتلال، وتركزت جهودهم في عدم فتح مدارس ثانوية إلا بقدر ما تحتاجه حكومة الاحتلال من موظفين وفنيين.3- وقد اعترف السير فالنتين شيرول بهذه السياسة التعليمية صراحة في كتابه (Egyptian Problem) الصادر عن دار ماكميلان للنشر في لندن 1920، حين قال في الصفحات من 221-227 ما ملخصه (.. لم يستجب الاحتلال إلى الحاجة الشديدة للتعليم الشعبي، فنحن حاولنا فقط أن نحل المشكلة الملحة وهي طلب المصريين للتعليم الشعبي بمضاعفة عدد الكتاتيب القديمة. وركزنا اهتمامنا نحن في المدارس الثانوية والعالية التي تحتاج الحكومة لخريجيها ليعملوا بها كموظفين).فترديد مقولة "ربط التعليم بسوق العمل" ما هو إلا (تحديث!!) للسياسة التعليمية الاستعلائية للاحتلال (التعليم لتخريج موظفين بالحكومة)، أما ما يردده التربويون من شعارات: بناء الإنسان، تخريج المواطن الصالح، وما يلقنونه طلابهم من ضرورة احترام اهتمامات التلاميذ وتلبية احتياجاتهم فسوف تظل أحلاما أو أضغاث أحلام، ما لم يجهروا بدعوتهم تلك ويصدعوا بلعناتهم لكل الأدمغة الموبوءة التي تتنكر لإنسانية الإنسان وتسجد لسوق العمل.