18 سبتمبر 2025
تسجيلحتى قبل أن نفهم لماذا وكيف ومن وراء الجريمة، نعلن الرفض والشجب والاستنكار عندما يتعلق الأمر بالعالم الغربي، أما ملايين الضحايا العرب فلا بواكي لهم، وهذا ما حدث منذ اليوم الأول الذي وقعت فيه حادثة الهجوم المسلح على صحيفة "شارلي أيبدو" الفرنسية التي نذر رئيس تحريرها وعدد من رسامي الكاريكاتير فيها جلّ جهدهم للإساءة للمعتقدات الدينية ولشخص الرسول عليه الصلاة والسلام، ولم نسمع أحدا، ممن هب اليوم للبكاء عليهم، أنه أعلن رفضه للسياسة التي تتبعها الصحيفة وأسرة تحريرها، ولم يغضب أحد من الغاضبين اليوم على تصريحات رئيس التحرير "جيرار بيار" الذي خرج غير مرة معلنا موقفه المناوئ لشخص النبي عليه السلام، ومع هذا كله فإننا بلا نفاق ولا خوف نعارض الطريقة التي تمت فيها معالجة المسألة والجريمة التي أوقعت كل ذلك العدد من الأشخاص بينهم أبرياء صحفيون ومسلمون وزبائن يهود في متجر، فلا أحد يقبل بذلك، ولكن لنفكر.فبعد أن تم تنظيف ساحة الجريمة وقتل الأخوين" كواشي وأميدي كالوبالي" ظهر للعالم أن المخابرات الفرنسية تعرف جيدا كل تفاصيل حياتهم، وكيف تنقلوا، وأين ذهبوا، وعلاقاتهم مع تنظيم القاعدة، وعادوا إلى فرنسا دون أن يوقفهم أحد، ثم ومنذ اللحظة التي أعلن عنها وقوع الهجوم على الصحيفة اليمينية المتطرفة قامت السلطات الأمنية الفرنسية بترسيب معلومات عن الجناة وبالأسماء وكأنهم كانوا ينتظرون وقوع هذه الجريمة للتخلص منهم أينما ذهبوا، وهذا قد يفتح أبوابا جديدة للتفكير في عالم الجريمة وعلاقتها مع السياسة والاستخبارات.عالمنا العربي مسكين فعلا، لا يدري أي خد يقدم للعالم كي يصفعه، ولا كيف يرضي قوى اليمين المتصهين في العالم الغربي، أو كيف يوازي ما بين مصالحه مع الغرب ومسؤولياته الوطنية في الشرق، فنرى مئات الآلاف من الضحايا معظمهم من الأبرياء سقطوا قتلى في سوريا والعراق واليمن وليبيا ومصر، والجرائم الصهيونية تقوم بها إسرائيل في أي مناسبة تراها، ومع هذا لم نرّ أي مسيرة عالمية كمسيرة"الجمهورية" الفرنسية يشارك بها هذا العدد من الزعماء للتنديد بالحرب والعنف والدمار والأرض المحروقة واحتلال الأرض واعتقال شعب بأكمله.بعد وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 في نيويورك، قام الملياردير العربي الأمير الوليد بن طلال بزيارة إلى الحديقة التي أقام فيها رئيس بلدية نيويورك حينها حفلا تأبينيا، ومن باب المواساة قدم الوليد بن طلال شيكا بمبلغ رمزي وبعدد من الملايين لصالح عمليات البناء للبرجين، ولكن عمدة نيويورك رفض العرض بكل فجاجة وأدلى بتصريحات مفادها نحن لسنا بحاجة إلى أموالكم. في العام 1987 أطلق "مجهول" للرأي العام النار على رسام الكاريكاتير العربي الفلسطيني الأشهر ناجي العليّ في وضح النهار ووسط الشارع العام في لندن عاصمة الحرية وبقي 39 يوما يصارع في غيبوبته حتى توفي، ولم تبك عليه عين مسؤول عربي أو أممي ولا حتى فلسطيني، لأنه برسوماته ورفيقه "حنظلة" كان يقاوم العمّالة وفساد المقاومة المسيسة، ويناطح البربرية الإسرائيلية، ولم يسيء لأي معتقد أو دين أو رمز ديني، بل كان يواسي الضحايا ولا يحرض جيل الجهلة على الكراهية ضد الآخر، كما يفعل بعض رسامي الكاريكاتير في الصحف الأوروبية.إن الاعتداء المرفوض على صحيفة "شارلي أيبدو" والتي أظهرت مدى استجابة العالم الغربي لنصرة قضاياهم حتى لو شابها أخطاء، هذا الاعتداء يجب أن يفتح أعين الحكومات الأوروبية على قضية هامة وهي استغلال الحرية للتحريض ضد العرب والمسلمين وقضاياهم وتتعدى ذلك إلى غير المسلمين أحيانا، ويجب على الحكومات أن تعمل لسن تشريعات تحد من "حربة التحريض على الكراهية" التي تتدثر بنظرية الحرية الصحفية وحرية التعبير التي نبكي لضحاياها في الغرب ونقتل دعاتها في عالمنا العربي. يجب أن يخرج إعلان عربي رئاسي عام يدعو الغرب إلى منع الإساءة للإسلام وللرسول محمد والأنبياء جميعا، لأن هذا أحد أهم أسباب دعم روح الكراهية للغرب المتحرر من قيود الحرية المسؤولة، وذلك منعا لإذكاء روح التطرف في العالم الإسلامي، ويجب على دول كفرنسا وغيرها تقبّل المسلمين هناك على أساس المواطنة وعدم تمييزهم في الخدمات والقضايا السياسية والأمنية، لأن الغرب كله لا يستطيع أبداً السخرية من اليهود أو أي معتقد لهم رغم أنهم لا يحبونهم فعلا وينافقون لهم، ولكن يتم تجريم أي شخص يتهم باللاسامية أو المساس بأي رمز يهودي.إن مشاركة زعماء وشخصيات عربية ومطالبة الرئيس الفرنسي أولاند بالتفريق ما بين المسلمين المتطرفين والإسلام كدين وحضارة، وكذلك إعلان المستشارة الألمانية مؤخرا بعدم قبول مظاهرات اليمين واتهاماته بأسلمة المجتمع الألماني، لا يعفي أحدا من المسؤولية، لا المتطرفين من المسلمين الذين يشاركون في تشويه صورة الإسلام عندنا قبل أن تشويهها أمام العالم، ولا الحكومات الغربية التي تصمت عن جرائم الإبادة التي يتعرض لها المسلمون في كل بقاع الأرض، وتسمح لمواطنيها بالإساءة لأهم معتقد لدى المؤمنين والرسول الأعظم، وعليهم جميعا العمل على حماية الخصوصية الدينية لدى المجتمعات العالمية، فهل ظهر يوما رسما في صحيفة يمس حاخاما يهوديا واحدا؟.