17 سبتمبر 2025

تسجيل

أهمية أن تكون مملاً

13 يناير 2012

يتهددك خطر عظيم إذا استلطفك الناس، فالإنسان أناني بطبيعته ومؤثر لمصلحته بفطرته، فإذا ما آنس فيك لطفاً، أو خفة ظل، أو مروءة، أو أريحية، سارع إلى صداقتك، وألح في التقرب إليك، والاستئثار بك، فيغنم منك جليساً مريحاً، وسميراً ودوداً، وإلفاً مألوفاً، وتخسر وقتك الثمين فتسكبه طواعيةً واختياراً لترطيب جلسات أصدقائك الجافة، وتجهد عقلك ولسانك وفكرك وراحة بدنك من أجل سعادتهم وهم بذلك مغتبطون وعليه حراص.فتنبه –أرشدك الله إلى القصد وعصمك من الغفلة- إلى هذا المنزلق الخطر، واجعل من شخصك المحبوب المطيع المهذب اللطيف شخصاً آخر مثيراً للملل، مستفزاً، ثقيلاً، سمجاً، حتى تكسب نفسك، وتوفر جهدك، وتفوز بوقتك.وما عليك إن أردت أن تكون مملاً إلا أن تتخذ " التناحة " لك منهجا، وتقاطع من يتحدث، مرة بعد مرة، بمداخلات مغرقة في التفاهة، فيبغضك المتحدثون، ويرون في حضورك مصدراً عظيماً من مصادر التوتر والقلق والتنكيد.ثم عليك إذا رأيت اثنين يتساران أن تقتحم عليهما ما يحاولانه من خلوة، وتسأل وتلح في السؤال عما يصل إلى أذنيك من حديثهما ذاك الذي يتساران به، ولا تستح إذا ما جبهك أحدهما أو كلاهما بكلمة نابية، أو لوم عنيف، أو ذم قاسٍ. وعليك الاستمرار في تقحم سرهما ومحاولة فك غوامضه، وتفسير كوامنه.واعلم – وفقك الله للخير ووفق الخير إليك- أنك لن تدرك من بغيتك كل ما تريد أو بعض ما تريد إلا إذا أخذت نفسك بكثير من الصبر والجلد، ووطنتها على مغالبة الغضب ومدافعة الثورة إذا ما سبك أحد الجالسين، أو سخر منك، أو طلب إليك أن تفارق جلستهم.فإن حدث شيء من ذلك معك، فتقبله قبولاً حسنا، وأيقن في داخل نفسك، أن ما يوجه إليك من سب وشتم وطرد وسخرية، إنما هي دلائل انتصارك، وعلائم فوزك، وأنك عما قليل بالغ من هدفك – وهو إملال الجالسين- بعض ما تريد.واعلم – نور الله بصيرتك- أن من أسباب انتصارك أن تتبنى الرأي الضعيف، وتنتصر للفكرة البغيضة، وتدافع عن السخف بقوة وحماسة. فإذا هاجم أحدهم مثلاً مطرباً فذّاً مثل "شعبولا"، أو أغنية رصينة خالدة مثل "المصريين أهمه" أو سياسياً لامعاً من أولئك الجاثمين على الصدور منذ أربعين عاماً، فما عليك إلا الانتصاب لتدفع هذا الهجوم بقوة وحدة، فهذا المطرب الفذ، وذلك السياسي الثقيل، وتلك الأغنية الراقية، علامات مميزة في تاريخنا العربي الحديث!! وأدلة بارزة على أننا بناة حضارة طريفة وأبناء حضارة تليدة. وأن ما يسمونه " المرحلة التي تجتازها [ المحروسة ] أمتنا " هي بالفعل مرحلة لها خصوصيتها الحضرية [ نسبة إلى الحضري ]!ولكي تكون مملاً عظيماً، عوِّد نفسك ما تفعله حكومتك من الخوض فيما لا تفقه من الأمور، ووطنها على الجدل العقيم، فإذا اشتعل حوار بين فريقين من جلسائك حول كرة القدم التي لا تفقه فيها شيئاً، فخض مع الخائضين، واعمد إلى أبغض اللاعبين إلى نفوس القوم فامتدحه ما استطعت، وتخير أسوأ مواقفه الرياضية التي يمقتونها لتتخذ منه دليلاً على عبقريته الرياضية. ولا تبال بما يتناثر على وجهك من بصاق القوم – إن وصل الملل إلى حد البصق على وجهك- بل قابل هذا السلوك (وهو كما تعلم سلوك مشين) بصدر رحب، ونفس متسامحة، وضحكة صفراء فاقع لونها تصيب مرارة جلسائك في مقتل.وإذا سألتني – وقاك الله عمى البصيرة- عن أعظم أبواب الملل أثراً، فسأجيبك بأنه الرغي والإزباد، فما عليك إلا أن تبدأ الحوار بموضوع تافه، أو قصة سبق أن حكيتها لأصحابك خمسين مرة، أو معلومة عديمة القيمة، ثم تأخذ في شرح الواضح وتفسير مالا يحتاج إلى تفسير، وتستشهد في كلامك – من باب حرق الدم- بأسماء ومصطلحات أجنبية تخترعها اختراعاً إن لم تمطرك بها ذاكرتك لحظتئذ.ومن باب التلطف وتخفيف حدة الخلاف، عليك أن تستعين ببعض النكت بشرط أن تكون من السخف والقدم والبرود بحيث لا تضحك حتى الأبله، فإذا ما انتهيت من روايتها، ففجر ضحكة عالية، مجلجلة، طويلة، صاخبة، هادرة، مدوية، متصلة لا تكاد تنقطع، ولا بأس إن صحبت تلك الضحكة مصافحة قسرية منك لأقرب مجالسيك. على أن تكون مصافحة قاسية عنيفة مؤلمة تنقصف لها أصابعه أو تكاد.ومن تراث المملين العظام مبدأ معروف هو "خالف تعرف" فإذا هاجم القوم التدخين فحدثهم عن مزاياه، فمثلاً إذا تحدثوا عن خطره الصحي، فشككهم في مصادرهم، وأنها ليست علمية وإنما هي من الصحف تنشر ذلك دون مرجع موثوق بصحته، كيف وقد أثبتت التحاليل أن في النيكوتين شيئاً قل أو كثر من البروتين!! وهل يكون خطره الصحي على ذي المرة السوي هو نفس الخطر على ضعيف البنية المتهاوي؟ وإذا تحدثوا عن حرمته الشرعية فما عليك إلا أن "تقلوظ" العمة على دماغك الكثيفة الأحراش، "وتلغوص" في أدلتهم تفنيداً وتضعيفاً مستدلاً بآراء من أباحوا التدخين من قدامى العلماء كالشيخ عبد الغني النابلسي وغيره، حينئذ ستظفر من جلسائك –أعداء التدخين- بقدر كبير من الاحتقار والشعور بالملل منك ومن اليوم الذي عرفوك فيه.فإذا كان جلساؤك ممن يدخنون، فأفرغ عليهم جعبة مضاره الصحية منسوبة إلى مصادر طبية تختلق أسماءها بوقار شديد، ثم اتل عليهم ما تحفظ من فتاوى التحريم والكراهة التي تحفظها.فالمهم – في الحالين- أن يسلم لك مبدأ "خالف تعرف"!!وأما فصل الخطاب في حديث الإملال – حفظ الله عليك عقلك وحماك من ارتفاع الضغط- فهو أن تعيد على جلسائك ما علق بذهنك مما تداول من الفكر الجديد والقديم والوسيط في مؤتمرات الأحزاب المصرية (بلا استثناء) فإن للقوم في مؤتمراتهم حديثا شائقا ممتعا يضحك الثكالى عن التنمية و- عدم المؤاخذة – " التعمير " وحقوق الإنسان والصحة والتعليم وفرص العمل.فأعد على جلسائك – بحماسة محمومة – إيمانك بصدق القوم، وتفاؤلك بما يسمونه "مستأبل المنطأة " [ مستقبل المنطقة ] في ظل السلام والرخاء والكويز العزيز [ أنت مش كويز النهارده والحمد لله؟ ] ولست أدري أنجح هذا المقال في رفع ضغطك أم لا؟ أتمنى ألا أكون قد أطلت أوخانني " التعمير "[email protected]