18 سبتمبر 2025

تسجيل

«الصورة» والمجتمع المُعلق

12 نوفمبر 2018

تشكل الوعي المجتمعي بعيداً عن المصلحة العامة يدخله في إطارمجتمع المناسبة بامتياز، بمعنى أنه يخفي ما يمليه عليه وعيه في عقله الباطن أو في اللاوعي، بقدر ما ينساق إلى شكلانية ما يفرضه عليه واقعه من مسايرة. تشكل المناسبة الاجتماعية مظهراً اجتماعياً كبيراً في مجتمعاتنا لأهميتها، بل إنها تعتبر معلماً تنفرد به هذه المجتمعات دون غيرها، فهى رمز للتآلف والتآخي والترابط بين أفراد المجتمع، وهي من لبنات المصلحة العامة بلاشك، ولكن عليها ألا تكون هي كل ما يمثل المصلحة العامة. لأن مفهوم المصلحة العامة أكثر شمولية من مظاهر المناسبات أياً كان نوعها، في المناسبة تشيع ثقافة غير ناقدة «النقد هنا بمعنى «الفهم» أن يفهم المجتمع ما يجري» بحكم طبيعة المناسبة التي تحتمل التماثل والمجاملة والتسامح إلى حد الانصهار أو الانسحاب، في حين أن المصلحة العامة قد تقتضي المصارحة والنقد والاختلاف والفهم، فلذلك من الضروري تواجد مجتمع المصلحة العامة ومناسباته إلى جانب مجتمع المناسبة الاجتماعية وثقافته. انفراد ثقافة المناسبة يحوّله إلى قشور غير معبرة عن واقعه الحقيقي، وبالتالي يفتقد المجتمع نقد الذات والتطور، فتشيع بالتالي ثقافة الصورة الجامدة لشخوصه ،كالتي نشاهدها في الأعراس، وتتشابك الأيدي وكأنها في الصلاة دلالة على الالتزام بالمناسبة وعدم الخروج عن المألوف بعيداً عن ثقافة الرأي والحركة. حتى المنهج القرآني لا يعول على الثبات الذي يقوم ويرتكز عليه مثل هذا المجتمع. هذا المجتمع سيظل معلقاً ما لم تتزاوج المناسبة الاجتماعية وثقافتها بثقافة المصلحة العليا الناقدة التي تتجاوز الأفراد إلى مصلحة المجتمع ككل، وتتحول بالتالي هذه الثقافة إلى مناسبة اجتماعية، وتبدو صورها مختلفة تظهر فيها الحركة والمناظرة والحوار. تشيع اليوم في جرائدنا نقلاً للمناسبات الاجتماعية، وبالأخص مناسبة الزواج والصورة وحدها قد تحكي ثقافة المجتمع وتحكي حراكه وحيويته. الدوحة اليوم عاصمة ثقافية بامتياز، ولا تزال المناسبة الاجتماعية وثقافتها التشابهية هي المسيطرة وهي الريتم الذي يحاكيه المجتمع بشكل وجودي واضح كما لو يبدو وكأنه إمكانية المجتمع القصوى التي يستطيع تحقيقها، أي انتصار لثقافة الجمود أكبر من ذلك. مفهوم المصلحة العامة مفهوم جلل، بل هو ثقافة بحد ذاته وهو فسيفساء لا يعرف الاحتكار لفئة دون غيرها، ولا يعرف الثبات بحكم تغير الظروف والأحوال ولا يغني عنه ولا يمثله شكل أو مظهر واحد تحتدم فيه الآراء والتوجهات لتنصهر أخيراً في هدف أسمى هو مصلحة الوطن أي أنه مفهوم ديناميكي صورته متحركة غير ثابتة تقبل الرأي والرأي الآخر. وإلى أن يشيع مثل هذا المفهوم ويصبح ثقافة معاشة لا مستهلكاً إعلامياً سنبقى مع مجتمع المناسبة الاجتماعية وقدسية الصورة الجامدة، لدرجة أنك تعتقد أن الجميع في صلاة من شدة الانضباط ونمطية الحركة الواحدة وليس الأمر سوى صورة تذكارية في مناسبة اجتماعية، لكنها داخل عقل المجتمع الباطن تحكي قصة إثبات وجود حتى وإن كان معلقاً أو على الهامش. [email protected]