29 أكتوبر 2025

تسجيل

تخفيض المخاطر يهدد النمو الاقتصادي

12 نوفمبر 2017

تطرقنا في مقالات سابقة إلى قيام البنوك المراسلة العالمية بوقف وتقليص علاقات المراسلة مع الآلاف من البنوك في الدول النامية، وهو ما سمي من وجهة نظرها "تخفيض المخاطر – de-risking" وذلك بسبب ما تدعيه عدم استيفاء هذه البنوك لمتطلبات الإفصاح عن بيانات عملائهم وعملاء عملائهم، هذه المتطلبات التي قامت البنوك المركزية الأوروبية، ولاسيَّما الاحتياطي الفيدرالي بتشديدها، لكي لا تتورط بنوكها في عمليات غسل أموال أو تمويل الإرهاب. وقد أدت هذه الخطوات إلى حرمان المئات من البنوك في الدول النامية من تقديم خدمات تحويل الأموال للعمالة المهاجرة أو الشركات ذات الأعمال التجارية الخارجية. وما أعادنا لهذا الموضوع هو أن هذه الإجراءات باتت تمثل خطرا كبيرا على الدول النامية، حيث أصدر البنك الدولي تقريرا الأسبوع الماضي حذر فيه من أن هذه الخطوات تعرقل تحسين آفاق النمو من خلال الحد من تدفق الموارد التمويلية التي تشتد إليها حاجة الشركات والقطاع العائلي. وصحيح أن هذه الإجراءات تصاعدت وتيرتها بعد الأزمة العالمية عام 2008، لكن جذورها تعود لأحداث 11 سبتمبر التي أدت فيما أدت إليه إلى فرض رقابة صارمة من قبل الجهات التنظيمية المصرفية. فقد أصدرت الولايات المتحدة قانون باتريوت الأمريكي Patriot Act الذي يلزم البنوك الأمريكية بممارسة العناية الواجبة الفائقة على حسابات البنوك المراسلة الأجنبية. ونتيجة لذلك، قررت عدة بنوك أمريكية أن تفرض شروطًا صعبة للاحتفاظ بحسابات البنوك المراسلة الأجنبية وإغلاق عدد كبير منها من أجل تجنب العقوبات الضخمة والإجراءات التنظيمية الصارمة. وخلال اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين التي عقدت الشهر الماضي في واشنطن، عقد على هامشها حوار عالي المستوى نظمه الاحتياطي الفيدرالي مع اتحاد المصارف العربية لمناقشة هذا الموضوع. وقبله في شهر سبتمبر نظم صندوق النقد العربي وصندوق النقد الدولي، بالتعاون مع مجلس الاستقرار المالي ومجموعة البنك الدولي، ورشة العمل الثانية عالية المستوى حول "تداعيات إجراءات البنوك المراسلة العالمية في المنطقة العربية. وخلصت كلا الورشتين إلى أن خدمات البنوك المراسلة باتت تلعب دورًا هامًا في دعم النمو الاقتصادي وتعزيز الشمول المالي، في ظل الترابط القوي للاقتصاد العالمي، لذلك لا بد من مواصلة الحوار بين مختلف الأطراف من أجل إيجاد حلول توفيقية تقوم على تفهم أبعاد وتداعيات إجراءات البنوك المراسلة العالمية، حيث إن الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة متعددة، منها تراجع الرغبة في الإقبال على المخاطر، وتعزيز تطبيق معايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وعلى وجه الخصوص متطلبات "اعرف عميلك"(KYC)، وغيرها من المعايير التنظيمية العالمية، والعقوبات الاقتصادية والتجارية، مع العلم أن كل هذه العوامل تؤدي إلى زيادة في تكاليف الامتثال. لكن في المقابل يجب تفهم أن البنوك في غالبية الدول العربية والنامية، خاصة الصغيرة، تمتلك موارد مالية وفنية محدودة لا تمكنها من استيفاء تلك المتطلبات ولا تمتلك الخبرة الكافية بشأنها، عدا أن البنوك المركزية التي تقع تحت سلطتها لا تمتلك بدورها الخبرة والدراية التي تعين بها البنوك على تنفيذ تلك المتطلبات بالشكل المطلوب. والنتيجة النهائية لتلك الإجراءات هي تقليص إمكانية الحصول على الخدمات المصرفية الدولية من خلال البنوك من قبل العملاء والشركات مما قد يضطرهم إلى البحث عن طرق أخرى بديلة لتحويل الأموال مثل استخدام الخدمات المالية غير الرسمية لتحويل الأموال (الحوالة)، أو تهريب النقد عبر الحدود. ونتيجة لذلك، تتزايد الفرص لغسل الأموال وتمويل الأنشطة الإرهابية بدلا من تحقيق الهدف المطلوب وهو القضاء عليها.