12 سبتمبر 2025

تسجيل

"عرفات" جدل غير مفيد

12 نوفمبر 2013

لا شك أن شخصية القائد الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ،شخصية غير عادية ، ومؤثرة بشكل استثنائي ، وهو ملهم للكثيرين ممن يرون أن الثورة الفلسطينية  أو بالأصح النضال الفلسطيني خارج فلسطين  ارتبط بشخصيته الكاريزمية، كما لا شك أن قضية وفاته  ذات الأسباب الغامضة  تثير غرائز التشويق البوليسي في حل ألغاز الجرائم ، ولكن إذا كانت النتائج قد خلصت إلى أن عرفات قد مات جراء تسميمه، فهل سيغير في الأمر شيئا بعد سبع سنوات لم يتغير الحال على الشعب الفلسطيني ولا مسار المفاوضات العرجاء ، ولو لم تقم قناة " الجزيرة" بتحقيقها الاستقصائي الأكبر ، وتفضح الطابق  بمعلوماتها الخاصة  هل كانت السلطة الفلسطينية اليوم  تجعل من ثوب عرفات بكائية سياسية جديدة ؟! للأمانة وهذا ليس سرا ، فإن الطبيب الخاص للرئيس عرفات وهو المرحوم أشرف الكردي اختصاصي أمراض الدماغ والأعصاب ، الذي توفي فيما بعد ،  وهو من القلّة القليلة الذين كانوا على مقربة من عرفات في أيامه الأخيرة  كان قد صرح في حينها أن عرفات لم يمت بالأسباب المتداولة حينئذ بل إنه يشك بأنه قتل ببطء ، وطالب بتحقيق في القضية ، ولكن لم يسمع صوته ، ولم تتداوله سوى وسائل الإعلام الأردنية وكان خبرا عابرا في بعض الصحافة العربية ، وأعتقد أن الجزيرة بدأت تحقيقها من هناك . اليوم القضية الأكبر ليست موت عرفات الذي كان واضحا أنه  بات حملا ثقيلا  على أطراف التفاوض والصراع  في واشنطن وتل أبيب وغيرها من العواصم المعنية منذ دخول الألفية الثانية ، ونظرا لاشتداد حالة الارتخاء العصبي عنده ، لم تكن إسرائيل أو حتى غيرها  ترغب ببقائه  ممرا  جانبيا غير مفيد لها  ومبررا للعابرين نحوها بالمرور به  ، فكان موته  أكثر فائدة من وجوده بلا فائدة لها، والقضية اليوم هي القدس التي تحاول إسرائيل قتل عروبتها وإسلامها ومسيحيتها لصالح الدولة اليهودية المنشودة  ويجب ألا يترك الفلسطينيون وحدهم ، وهذا أكثر فائدة من جدال في جريمة ستقع حتما تحت بند الاغتيال السياسي " المشرعن" بصراحة الشعوب العربية لم يعد لها الوقت الكافي لحصر أسماء موتاها في ظل مجازر جيش العدو الإسرائيلي أو  جيوش الأنظمة الدكتاتورية التي زالت أو لا تزال  ، وبعد مجازر جيوش الاحتلال الغربي خلال عقد مضى  ، وكثير من القادة الذين كان لهم شأن عظيم على الساحة السياسية والعسكرية  سقطوا بين قتيل ومسحول وسجين ولاجئ ومحارب لشعبه ، والشعب الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة أو تحت سلطة رام الله لا يشعرون أنهم تحت ظل دولة تحميهم ، وهم يعانون كسجناء في سجن مفتوح  رغم كل ما يحاول الجميع تجميله ، لذلك فهم وخلال سبع سنوات  لمسوا جيدا وعرفوا أنه لا عرفات ولا غيره سيغير وجودهم  شيئا في حياة ذلك الشعب المضطهد ، ولذلك لا يمكن أخذ  ملف موت الزعيم عرفات مسموما  على محمل الجدّ ، لأن كثيرا من قادة الثورة  قتلتهم إسرائيل علانية  ولم يتغير شيء . الشيء الوحيد الذي يمكن للسلطة الفلسطينية أن تستفيد منه في هذا الكشف الجنائي الذي لم تسع هي له ، هو تحسين شروط تفاوضها مع إسرائيل إذا كان هناك باب لهكذا وضع في آخر مرحلة من مراحل التفاوض العسير بين السيد محمود عباس  ومساعدوه ، وما بين الحكومة الإسرائيلية وزعمائها الذين يقتلون من أجل هدفهم ، ويعاندون الدولة الأعظم التي طالما أمدتهم بأسباب القوة ، وحتما لن تتأثر إسرائيل بقضية مقتل أبو عمار  أو غيره ، فقائمة الشهداء المحاربين في غزة والضفة الغربية وقادتهم طويلة ، وهي وصمة عار في جبين السياسة العربية قبل أن تكون عارا لإسرائيل ، فما الذي سيحدث فرقا  إن أثبت على إسرائيل يد في مقتل " الختيار" . أعتقد أن آخر ما يهم  الفلسطينيين  هو البحث في من قتل الرئيس ياسر عرفات ، ولو تتكشف الأمور أكثر من المحتمل أن تتورط شخصيات كانت قريبة منه، فقد كان كثير من المستفيدين ، والقطط السمان في سلطة رام الله  تنتظر  لحظة الخلاص ، كي تتضخم أكثر ، وتجد لها مقعدا أكثر تقدما على حساب الشعب الفلسطيني والقضية ،  لهذا يجب أن يفهم أن الشعب دوما هو أبقى من القادة ، وليس هناك من زعماء آلهة .  لا يمكن النظر إلى ملايين الفلسطينيين الذين تشردوا من ديارهم ، ومئات الآلاف الذين قتلوا على أنهم مهاجرين غير شرعيين  انقلبت بهم سفينة فلسطينية وغرقوا في عرض البحر  أمام  سواحل غزة أو حيفا ، لهذا يجب أن يتذرع العرب بأي سبب لنسيان القضية الأصلية وهي فلسطين التي تقطعت أوصالها وتشرد أبناؤها  وهم أغلى من كل الزعامات الإخبارية .