11 سبتمبر 2025
تسجيلكتاب يتّصف بأنه (مميز بالأصفر)، ويضم بين دفتيه تجميعا لاقتباسات وعظات وخواطر وحكايات، تعزف ألحاناً عذبة تتناغم وطاقة التفاؤل والحب والجمال والسعادة التي تحيا بها الحياة بأغلى ما فيها، أو بواقعها، ولا غرابة أن يصفه عنوانه الفرعي بأنه (مقرر مختصر في العيش بحكمة والاختيار بذكاء). إنه المقرر الذي يقرّ في مقدمته بـ «أهمية التصرف بلطف وكرم وإحسان مع الآخرين، وتوطيد علاقات قوية راسخة مع الأشخاص الذين نحبهم، واختيار توجهات ذهنية تساعدنا أثناء عيش ساعات الحياة اليومية العادية، واكتشاف معنى الرضا والإشباع النابعين من تقدير المتع البسيطة والاستمتاع بها». تعرض قائمة المحتويات ستة عناوين رئيسية تحدد أطر ذلك المقرر الذي اعتمده الكتاب من وجهة نظر مؤلفيه التنمويين، وهي: (الإحسان / الكرم / المتع البسيطة / التوجه الذهني / الزواج / الأبوة). وفي هذه المراجعة عرض لشذرات من مأثور القول بالاعتماد على الطبعة الأولى الصادرة منه عام 2018 من مكتبة جرير، وباقتباس يخدم النص (مع كامل الاحترام لحقوق النشر). ويعتقد البروفيسور (صامويل هولدنسون) أن صعوبة الشعور بالسكينة في حضرة شخص فاقد للطمأنينة، و»عدم القدرة على التمتع بهدوء البال عندما يكون أحد الجيران محملاً بالهموم» هو ببساطة تعريف لمعنى (الإحسان). فيقترح الكتاب - وهو يعني بهذا المفهوم النبيل - أن تبعث لشخص فقير تعرفه ورقة نقدية بقيمة عشرين دولاراً سراً دون أن تفصح عن نفسك، وذلك كترجمة عملية للإحسان في الحياة. ومن جانب حياتي آخر، يظهر الحب وكأن له يدين تساعدان المحتاج، وقدمين تسعيان نحو الفقير، وعينين تبصران العوز، و»أذنين يسمع بهما تنهدات المكروبين».. هكذا يتحدث القديس (سانت أوجاستين) في مفهوم (الكرم) الذي يأتي الحب كشكل من أشكاله. وفي (صنيع معروف عشوائي)، يسرد الكتاب قصة دارت أحداثها عام 1891 والتي لم تنتهِ بالبساطة التي بدأت بها، حيث يقصد فندق (بيلفو هوتيل) في ليلة مطيرة «زوجان عجوزان يحتميان من عاصفة في منتصف الليل» عندما كانت جميع فنادق ولاية فيلادلفيا ممتلئة بالنزلاء، في حين «لم تكن هناك غرفة شاغرة للإيجار في أي مكان». يستقبلهما موظف شاب تأخذه الشفقة ويتعاطف مع ظرفيهما، فيعرض عليهما «السرير الوحيد المتاح.. سريره الخاص». يرفض الزوجان بينما يصرّ الشاب العطوف، فيقبلان أخيراً.. وقبل مغادرتهما في الصباح يشكرانه على اهتمامه غير العادي، ويخاطبه العجوز قائلاً: «أنت الشخص الذي ينبغي أن يكون مدير أفضل فنادق الولايات المتحدة. ربما أبني لك في يوم من الأيام فندقاً تديره أنت». يضحك الثلاثة ثم يفترقون، وينسى الموظف الشاب الموقف «ولكن العجوز لم ينسه». وبعد عامين «تم إنشاء مبنى هائل شبيه بالقلعة في نيويورك سيتي، وكان صاحبه هو العجوز الذي تأثر بموظف فندق فيلادلفيا رحيم القلب. وكان هذا هو الوقت المناسب لدعوة الشاب لرؤية الفندق الهائل الذي ينتظره». يصل ويصطحبه العجوز نحوه قائلاً: «(هذا هو الفندق الذي بنيته لتديره أنت). وأثناء وقوفهما عند زاوية الشارع بجوار الفندق الذي سرعان ما سيصبح فندق والدورف أستوريا هوتيل صاحب الشهرة العالمية، تم تعيين الموظف الشاب جورج بولدت أول مدير للفندق. وعلى مدار السنوات الثلاث والعشرين التالية، وحتى وفاته عام 1916، ظل بولدت مخلصاً للفندق وللثقة التي أولاها إياه ويليام والدورف أستو». والكتاب وهو يقتبس قول الرئيس الأمريكي (ابراهام لنكولن) في توصية كلا الوالدين بقيادة السيارة بالطريقة التي يريدان أن يقود بها أبناؤهما، تأخذ وصيته منحى مجازيا كما المعنى المباشر فيه، إذ يقول موضحاً: «هناك وسيلة واحدة لتنشئة طفلك بحيث يتخذ الطريق الذي ينبغي أن يسير فيه، وتلك الوسيلة هي أن تسير أنت نفسك في هذا الطريق».. فالقيادة بذوق وتوخٍ وحذر تضمن السلامة وتضمن الوصول إلى الوجهة المبتغاة، وكذلك هو السير على طريق الخير والحب والفضيلة، لا ينتهي إلا بها. وعندما ينصح الكتاب - وهو يستمر في حديثه عن (الأبوة) - بعدم الخلط بين النجاح والثروة، يستعين برأي الرئيس الأمريكي (تيودور روزفلت) الذي كان يعتقد أنه لا يوجد أي إنجاز في الحياة سواء كان التحاقا بجامعة أو إصدار كتاب أو تحصيل ثروة أو تقلّد منصب رئيس البلاد «يضاهي نجاح رجل أو امرأة يمكنهما الشعور بأنهما أديا واجبهما، ويكبر أولادهما وأحفادهما ويدعوان لهما بالرحمة». والكتاب وهو يذكّر بالموارد الثلاثة المتاحة لكل فرد والتي تلعب دوراً مؤثراً في حياته «الحب والدعاء والصفح»، لا يُصبح أجمل من قول اللاعب (كاري ويستنجسون) الذي وكَّل أمره لله بكرة وعشياً، وهو يقول: «في الليل، أسلّم كل أموري لله، فهو الذي لا ينام أبداً». ومع تلك الدفقة الإيجابية نحو الحياة، لم يأت من فراغ وصف الكتاب لكلماته بمجرد كلمات تُنطق أو منشورات للتداول أو رسائل للاستهلاك الصباحي، بل «إنها كلمات تجلب الهدوء، كلمات تجلب الشفاء، كلمات تقدم التشجيع وتحث على التغيير وتكافئ على الجهد».