11 سبتمبر 2025

تسجيل

الحمى الهولندية

12 أكتوبر 2023

في سنة 1959 تم اكتشاف حقل غرونينغن المليء بالغاز الطبيعي في بحر الشمال الهولندي، استبشرت الحكومة والشعب الهولندي بهذا الخبر السار الذي سيكفل لهولندا العودة للمنافسة على الزعامة الاقتصادية في أوروبا. ولكن الغريب أنه بعد عقدين من الزمن يتضخم سعر العملة الهولندية ست مرات وترتفع نسبة البطالة من 1 % إلى أكثر من 5 %. تسبب التضخم بشلل كامل لحركة الصناعات الهولندية بشكل عام وقطاع الزراعة بشكل خاص وهو القطاع الرئيسي الذي كانت تعتمد عليه هولندا لقرون. سبب ذلك أن الطلب زاد على العملة الهولندية لشراء الغاز الهولندي مما سبَّبَ ارتفاع سعرها في السوق العالمي، وفي طبيعة الحال أصبح التصدير صعبا جدا بسبب غلاء الأسعار مقارنة بالدول المنافسة، وفي نفس الوقت يصبح الاستيراد مغريا أكثر بسبب انخفاض أسعار العملات الأجنبية مقارنة بالعملة المحلية الهولندية. في الاقتصاد يسمى ذلك المصطلح بـ «الحمى الهولندية» وهو التأثير السلبي للموارد الطبيعية مثل الغاز والبترول وغيرها من الموارد الهيدروكربونية على الاقتصادات المحلية للدول. وقد أصابت الحمى الهولندية كثيرا من الدول مثل بريطانيا وفنزويلا وماليزيا، ولم تستثنِ الحمى دول الخليج العربي. ولكن استفادت دول الخليج من الدرس الهولندي لتقليل تضخم عملتها بربطها بالدولار الأمريكي أو سلة من العملات الأجنبية في حال الكويت لتقليل ضرر تضخم العملة المحلية. ولكن في دول الخليج كان التأثير السلبي من نوع آخر، وهو الاعتماد والتركيز على قطاع الطاقة الهيدروكربونية وإهمال القطاعات الأخرى والسبب أن الربح السريع في قطاع الطاقة يغني عن الحاجة لتنمية القطاعات «الصلبة» التي تحتاج الكثير من الوقت والاستثمار المالي مثل الصناعة والزراعة والسياحة. وعدم تطوير القطاعات الصلبة يسبب تلقائيا تأخر القطاعات «اللينة» مثل قطاع الخدمات العقارية والمالية وقطاع التدريب والتطوير. في رؤية دولة قطر 2030، كان هدف تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على قطاع الطاقة أولوية كبرى، ولذلك نرى اهتمام الحكومة القطرية بالاستثمار الخارجي والسياحة المحلية والرياضية. وهي بداية جيدة ولكن للأسف لا تكفي، فإيجاد مصادر أخرى للدخل هو ضرورة قصوى في ظل الاقتصاد العالمي المتغير.