19 سبتمبر 2025

تسجيل

ماهية الوزير

12 أكتوبر 2020

مع أول عدد صدر أمس من جريدة العرب بعد انقطاع قصير، لفت نظري عنوان "القطيعة بين الوزراء والصحافة"، ووضعت الجريدة مثالاً لمقولات وزراء سابقين، تحت عنوان "عندما كان الوزراء يتحدثون"، هذه التساؤلات كنت قد أشرت إليها في مقالاتي الأسبوع الماضي، حينما تحدثت عن التشكيل الوزاري الأول والتشكيل الوزاري الثاني وما بعده والطبيعة الوجودية لكل منهما، لكن لا يمنع كذلك من الاستزادة من أجل الإجابة عن هذا التساؤل، لماذا كان الوزراء يتحدثون في السابق ولماذا لم يعودوا يتحدثون الآن؟. وهو فحوى سؤال جريدة العرب بشكل مفصل، لكي يمكن الاجابة عن هذا السؤال لابد من الاشارة إلى أن الفرق بين الوزير السابق "الذي يتحدث" والوزير اللاحق "الذي لا يتحدث"، والكلام هنا يعني التحدث الى الصحافة، كما يشير تساؤل جريدة العرب، أن الأول حالة وجودية، والثاني مجرد ماهية لا غير، الحالة الوجودية حالة انسانية بينما الماهية هي حالة دينية. الوزير في السابق كان ينطلق من وجوده في المجتمع، بينما الوزير اللاحق كان ينطلق من ماهيته كأثر لاحق على تعيينه، الانطلاق من الوجود يعني حرية وثقة ومعايشة، بينما الانطلاق من الماهية ناتج عن عملية إيمان بمعتقد أو بشخص أو بنظام، فهو لا يتحرك لأنه أثر لذلك الايمان او المعتقد او النظام سواء كان شخصاً او وزارة. الوزير في السابق كان حالة وجودية اجتماعية، بينما الوزير اللاحق ماهية، كما اشرت لوجود غيره، يتحدث السابقون لأن وجودهم سبق الوزارة، بينما لا يتحدث اللاحقون لأنهم أثر للوزارة، يتكلم السابقون لأن المنصب لا يمثل لهم إضافة، بينما يصمت اللاحقون لأنهم بدون المنصب يتمثلون الخسارة. لتجسير الهوة بين المنصب وحامله لابد من إثراء الوجود الاجتماعي للأفراد من خلال انشاء وإيجاد منظمات وشبكات مجتمع مدني تملأ الفضاء الاجتماعي بين الدولة والافراد، حيث بعد الجيل الأول الذي كان اجتماعياً ممتلئا بالدولة أصبحت هناك فجوة بين الطرفين، بحيث أصبح المنصب في الدولة خاصة منصب الوزير يتطلب قفزة الى شاطئ آخر وثقافة أخرى، لذلك ترى اشكالا من القطيعة تنشأ، من بينها عدم التحدث ما أمكن، لأنه كما أشرت ماهية تشكلت بعد القفزة وليس وجوداً سابقاً لها. تبقى الإشارة إلى نقطة مهمة تجب مراعاتها في عملية التقييم، وهي: ليس شرطاً ان يتحدث الوزير "طالما يُنجز ويطور أداء العمل" في وزارته، كذلك لا يصح التركيز على الجانب الاجتماعي وحده، من حسن استقبال وترحيب إلا كجزء من أجزاء أخرى يتطلبها المنصب، حتى يصبح هناك وجود حقيقي للنجاح وليس مجرد ماهية تتماهى وثقافة المجتمع الشفوية.