12 سبتمبر 2025
تسجيلفي خضم جحيم الأزمات والحروب والكوارث، وتلاحق الأخبار المتسارعة التي تغطي تفاصيلها اليومية.. ينصب تركيز عموم الناس وحتى الجهات الإنسانية بشكل رئيس وواضح على الضحايا وحاجة الناس لمتطلبات الإغاثة العاجلة كالعلاج والدواء وتوفير النقص في الطعام والماء الصالح للشرب والمأوى لمن تشرّد.. أي ينصرف للأمور ذات النبض السريع، وهي بلا شك مهمة وضرورية، ولكنهم يغفلون أو يقصّرون في الاهتمام بالآثار الخطيرة الناجمة عن هذه الحروب على المدى المتوسط والطويل، وتأثيراتها على بنية ومكوّنات المجتمع وحاضر الأمة ومستقبلها، أو لا يعطونها الاهتمام الكافي، خصوصا ما يتصل بالحرمان من التعليم، وما يلحقه من تأثير على الأطفال والأجيال المتعاقبة وعقولهم، أو ما يتعلق بتهديد النسيج المجتمعي بسبب نعرات الطائفية والمناطقية..، أو تقسيم الأوطان وتجزئتها.سنتوقف عند تأثير الأزمات على التعليم لنشير إلى إحصاءات خطيرة أوردتها ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻷﻣﻢ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﻟﻠﻄﻔﻮﻟﺔ " اليونسيف" تشير إلى أن ملايين الأطفال حاليا بحكم المحرومين من دراستهم في التعليم الأساسي والثانوي في سوريا واليمن بسبب الأزمات والحروب، ويصل هذا الرقم إلى حوالي خمسة ملايين طفل (بين سن 6 و17 عاما).خطورة هذا الأمر على المدى الطويل أنه يؤدي إلى ضياع جيل من الأطفال، مما يعني المزيد من انعدام الأمن، بجانب الفقر، وعلى المدى القصير هناك مخاطر مباشرة، لأسباب متعددة. بعض الأطفال لا يتمكّنون من التعليم بسبب انعدام الأمن أو خروج بعض المدارس عن الخدمة، وبعضهم بسبب التسرب الناتج سوء الوضع المعيشي والاضطرار لمساعدة أسرهم.الخطورة على المدى القصير حرمانهم من الحق الطبيعي في التعليم والتعرض للاستغلال بسبب العمالة المبكّرة أو للانحراف، وترك التعليم بصورة نهائية إذ تشير التقارير إلى أن من يترك التعليم لمدة شهر أو سنة قد يتركه نهائيا، فضلا عن تجنيدهم مع الكتائب المسلحة، والقتال معها في سن صغيرة، والحرمان من التمتع بالطفولة والنمو الطبيعي.الأرقام مرشّحة للازدياد على ضوء الأوضاع التي تمر بها منطقتنا العربية والإسلامية، وتفاقم الأوضاع في الدول التي تعاني من نزيف الأزمات، ورغم تحذيرات المنظمات الإنسانية الدولية المعنية، ودعوتها للتنبه لمخاطر حرمان الأطفال من التعليم أو التسرب منه، وضرورة إطلاق مبادرات كبيرة لتدارك الوضع، سواء من جهة الدول أو المنظمات الأهلية، إلا أن الاستجابة محدودة والمبادرات قليلة ونادرة، وهنا لا بد من التنويه والإشادة بمبادرة دولة قطر لتعليم وتدريب اللاجئين السوريين QUEST التي أطلقها صندوق قطر للتنمية مؤخرا على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الأخيرة (الحادية والسبعين)، وينتظر أن يستفيد منها 400 ألف لاجئ في خمس سنوات. قد يكون جوع البطون كافرا وموجعا وخطرا، ولكن جوع العقول أكثر إيلاما وتأثيرا، وعادة ما يتم الالتفات لجوع البطون بشكل أكبر بحكم الاحتياج البيولوجي للجسم، فيما تكون هناك غفلة عن جوع العقول والتفكير لأنّ تأثيره قد لا يظهر بشكل آني رغم آثاره السلبية العميقة، لذا فإننا نتمنى ألا تستنزف المؤسسات الخيرية والإنسانية بأعمال الإغاثة العاجلة على حساب سدّ ثغرة الاحتياجات الإستراتيجية الأخرى للشعوب المنكوبة خصوصا التعليم. هناك الكثير من الاحتياجات التي يمكن أن تشتغل عليها منظمات المجتمع المدني في هذا الجانب لعل من أهمها تقليص عدد المحرومين من التعليم من خلال ترميم المدارس وتوفير متطلبات تشغيلها من كوادر ومناهج وغيرها، والاهتمام بالتعليم المهني والتدريب، وتوفير المنح والكفالات للطلبة خصوصا المتميزين ودعم المبادرات المحلية. التعليم هو أساس التنمية، والأطفال هم عماد الأمة يشكلون نصف حاضرها وكل مستقبلها، فلا ينبغي أن نسلمهم للتيه أو الضياع عبر دهاليز الجهل والانحراف، أو نتركهم ليكونوا هم وأوطانهم في مهبّ الريح.