15 سبتمبر 2025

تسجيل

هل تغادر الأعياد .. أم نغادرها؟

12 أكتوبر 2014

الأعياد مواسم مواعيدها بحكم الشرع الإسلامي كعيدي الفطر والأضحى، وكثير من أعياد لديانات أخرى ولمواسم الزرع والحصاد وللأمهات والآباء ولصرخة المولود وإعلانه فردا جديدا في الأسرة، وأعياد للسلطات العليا الحاكمة وللأوطان واستقلالها وانفكاكها من حكم الأجنبي الذي قد يكون جسم على قلبها وسلب مقدراتها ونكس أعلامها وأهان إنسانها، وأعيادا للعمال وانعتاقهم من التسلط والسخرة والإذلال، وهكذا تتدفق المسميات تختلف أو تتشابه لكنها قطعا أعياد تأتي للجميع، وسعيد الحظ من يقف عندها ليغترف من معينها ويغسل دواخله من رحيقها، بالأمس ودع المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها " عيد الفداء " وغادر الحجيج الديار المقدسة عرفات ومدينة المصطفى ومكة المكرمة خير بقاع الأرض، صحيح أنهم عادوا بأجساد تبللت عرقا تحت لباس الإحرام وبعيدا عن زيف الحياة الحضرية ورباطات العنق الحريرية والجلباب العربي ناصع البياض و الأفريقي الملون الفضفاض الذي تعجز الأكتاف عن حمل أطرافه فتتبادل الأيادي النحيفة إعادته لوضعه تماما، كغترة الخليجي يحسن هندامها يمينا فإذا باليسار تتدلى فيلاحقها ليحافظ على " كشختة " وكعمامة يصل طولها لخمسة أمتار بالتمام والكمال يعتمرها " الزول " دون أن تسبب له وجع رأس أو ضجر من حمولتها .الأعياد كمثيلاتها الأزياء الشعبية والتراثية التقليدية تتنوع وتختلف مواقيتها وطريقة الاحتفاء بها رقصا أو مغنى أو صمتا ودموعا وتزلفا للعلي القدير والتقرب بنحر الأضاحي وغسل الجوانح من كل إثم فيرجع الحاج كيوم ولدته أمه إلا من رهق السعي بين جبل الصفا والمروة والتدافع لرمي الجمرات عملت أرض الحرمين بأقصى إمكانياتها واستدعت أحدث فنون الهندسة المعمارية ودون الإخلال برسمه ومكانه وفلسفته فذللت المسارات وجعلته سهلا ميسرا .كثير أعياد تغادر سريعا وربما قبل أن تبدأ ولكن عيد الفداء يبقى عالقا في الوجدان لارتباطه بفريضة الحج، وتظل زيارة الأراضي المقدسة حلما يراود من عاشه ومن لم يناده المنادي بمعنى أن القلوب تظل عالقة بالأمكنة حتى تتيسر السبل لـ " حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا " ومع تسابق الفضائيات لنقل حركة حجيج الرحمن تتفتح مكامن الذكريات وتتعلق الأنفس بتلك البقاع وهي مشاعر لا تموت بالتقادم ومرور السنين .هو العيد الوحيد يهاجر له من بقاع الأرض ويأتونه فرادى وجماعات ويرجعون مثقلين لأهاليهم وجيرانهم وصغارهم بالهدايا والحكايات المدهشة فذاك قبل الحجر الأسود وآخر وقف أعلى قمة عرفات وساح بأرجاء حرمها، وآخر استنشق رزاز ماء صناعي يتدفق فيرطب الأجساد النحيفة فيحسبها البعض سخاء رخاء من رب العباد، تماما كذلك الحاج الذي استدللنا به قبل سنوات للوصول لجبل عرفات فإذا به يشير لبرج إرسال فضائي فصححنا معلوماته وسار معنا لأقرب بقعة مباركة وقف بها الرسول الكريم ودموعنا تتمازج وذلك الرزاز العطر الذي يمنح النشوة والحيوية بما يعادل سيل الدعاء المنهمر بارك الله جهد القائمين على أمر حجيج بيت الله الحرام وحجا مبرورا وسعيا مشكورا . همسة : دعوا الأعياد تغادر ولكن لا تغادروا محطاتها فهي الغسول والبلسم .