30 أكتوبر 2025
تسجيلصندوق الذكريات والرسائل إضاءات المدينة ساطعة على طرقها، تُداعب قطرات الندى أعمدتها، أصوات أبواق السيارات تُسمع من مكان بعيد، كل يسير في طريق محفوف بالذكريات المكسورة، لا بد أن كلاً منهم لديه صندوق مدفون في قلبه، يخبئ به بعض الذكريات والرسائل التي لم تُفتح بعد فبنت عليها العناكب بيوتها، في ذلك الشارع وجوه تنظر إلى وجوه أخرى علّها تجد لها شبيها، وقلوب تبحث عن غرف صغيرة تكفي لشخص واحد وحب واحد ومدينة واحدة لا تنام أبداً وصندوق للذكريات والرسائل لا يفتحها أحد، فتُترك سنوات طوالا لا يطلّع عليها سوى صاحبها، فإن لم يتسع صدره لحفظها وباح بها لغيره فلا يلومن الآخر إن ترك الصندوق مفتوحاً في ذلك الطريق، وإن بنت عليه العناكب بيوتها وتشابكت عليه خيوطها فإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت!أوراق ممزقة" ليست لدي أفكار "! هكذا أنا أقول أحياناً في عتمة الليل، أمامي دفتر وقلم وشمعة ذبلت بذبول حروفي، جميعهم نائمون، وسكون الليل ونجوم السماء أمسوا ينظرون إلي وأنا بجانب نافذتي، وقد أثرت ازعاج أرضية المنزل بتجعيد الأوراق ورميها من أعلى النافذة بعد أن اختنقت القمامة بجبال من الأوراق، شخبطاتي على كل عبارة لم تقنعني، امتعضت منها لوحاتي المعلّقة على حائطي، ما عدا لوحة واحدة مليئة بالذكريات الميتة نسيت أن أضعها في الصندوق المدفون في قلبي... فلربما اطلّع عليها أحد من العالمين، فلا عناكب تسترني ولا قلب آخر يسع لكتم أسراري، فحتى حروفي باتت تفضحني وإن ذبلت فقديمها صار سرمدياً في كنفات الكتب وذاكرة البعض كما قال الأفغاني: " دَائِمٌ، أَبَدِيٌّ أَوْرَثَهُمْ عَذَاباً ثُمَّ فَنَاءً سَرْمَدِيّاً "...عندما ترتشف القهوة في المساءأجلس في ذلك المقهى كل مساء، علّي أجد ما أكتبه وأروّض عناد حروفي، أشاهد وجوه مرتادي المقهى، وبعضاً من صناديق ذكرياتهم ورسائلهم المفتوحة، التي لا تملك أثراً لخطوات العناكب، ليس لديّ وقت معين للكتابة، إنما تركتها تنساب لوحدها، قد تمر عليّ بعض الظروف المؤلمة فينهار على دفتري سقف الحروف، فأكتب بمقدار الدموع التي أذرفها، وبقدر غصّات الحنين إلى أيام لن تعود فأجعلها كذكرى مكتوبة في دفتري الذي حوّلته مؤخراً إلى كتاب عنونته بـ" عندما ترتشف القهوة في المساء "، اخترت هذا العنوان لأن قهوتي الصباحية لم أجد من يضبطها حقاً، وتركت على ذلك الكتاب ساعة حركت عقاربها إلى الثامنة والنصف مساءً، ليبقي هذا التوقيت أثراً على بعض العقول...