20 سبتمبر 2025

تسجيل

الحراك الشعبي السوري.. بين التأييد التركي والالتفاف الإيراني

12 أكتوبر 2011

واضح أن إيران تبدو في غاية الانزعاج من المكافئ الإقليمي لها في المنطقة (تركيا) بعد أن اختارت الأخيرة ببساطة الانحياز إلى خيار الشعب السوري ضد جلاده، وتوجيه انتقادات قوية لمجازره ضد الاحتجاجات الجماهيرية السلمية، ومعاقبته اقتصاديا، بعد أن فقدت الأمل بأية إمكانية لإصلاحه. وقد جاء الانزعاج الإيراني عبر انتقادات وتحذيرات على لسان يحيى رحيم صفوي المستشار العسكري للزعيم الإيراني آية الله خامنئي، والذي اعتبر سلوك أنقرة تجاه سوريا وإيران خاطئا، باعتبار أنه يتماشى مع الأهداف الأمريكية، وحذر أنقرة من أنه "إذا لم تنأ بنفسها عن هذا السلوك السياسي غير التقليدي فإن الشعب التركي سينصرف عنها داخليا وستقوم الدول المجاورة لها (سوريا والعراق وإيران) بإعادة تقييم روابطها السياسية معها. والصحيح أن ربيع الثورات العربي جاء ليفضح حقيقة الصورة الذهنية لإيران التي عملت لعقود ثلاثة على رسمها في أذهان الشعوب العربية، وفي مقدمتها الشعب السوري، كقطب مناهض لظلم قوى الاستكبار العالمي، ونصير عنيد للمقاومة مع حلفائها مع دول وقوى وأحزاب الممانعة في المنطقة العربية، فإذا بها عند لحظة الحقيقة تكيل بأكثر من مكيال، وتؤثر مصالحها السياسية الإقليمية على المبادئ التي أقرتها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية بحق الشعوب في الحرية والكرامة، فتؤيد الحراك الشعبي في البحرين ومصر وتونس وترفضه في ليبيا وسوريا وتعتبره مؤامرة خارجية تدار بأياد داخلية، هدفها النيل من دمشق ومواقفها السياسية. النظام الإيراني يعتقد أنه يمكنه أن يغطي شمس الحقيقة الساطعة بغربال، لأن الخوف الفعلي على إيران، وليس على تركيا، فالشعب السوري الثائر قال كلمته في النظام الإيراني في شعاراته التي يرفعها يوميا في لوحاته ولافتاته أو التي تصدح بها حناجره، أو لدى قيامه بحرق علم طهران، في ميادين الحرية وساحات التغيير، رفضا لمواقفه الداعمة للنظام السوري سياسيا وعسكريا. أما الشعوب العربية التي تعاطفت مع أشقائها من أبناء الشعب السوري، بسبب ما يتعرضون له من ظلم وسفك دماء، فوجدت أنها على النقيض من دفاع النظام الإيراني عن نظام ديكتاتوري، وتبني الأول للأطروحات الرسمية للثاني، حفاظا على موطئ قدمه المتقدم في المنطقة، وعلى أحلافه ومطامعه الإقليمية فيها، وهو ما دفعها لتغيير الصورة الذهنية القديمة المغشوشة واستبدالها بالصورة الحقيقية الراهنة. لقد بدا النظام الإيراني في نظر الشعب السوري ونظر الشعوب العربية متناقضا متهما في موقفه، لأكثر من سبب: - فهو لم ير في الحراك الشعبي السوري المتطلع للحرية والخلاص من الديكتاتورية ـ في البداية ـ سوى مؤامرة خارجية تسعى للنيل من دمشق، ومن تيار الممانعة في المنطقة، ثم اضطر في تصريحات خجولة ومحدودة بعد تعاظم قمع النظام السوري وتواصل الاحتجاجات في الشارع للحديث عن ضرورة إجراء حوار بين النظام والمعارضة، وأخذ الحقوق المشروعة للشعب السوري بعين الاعتبار. - تبرير سفك الدماء وكبح جماح التغيير المطلوب سوريا مقابل حفاظ على دولة مقاومة، ومع افتراض صحة مقولة " دولة مقاومة" على نظام لم يحرك أسلحته الثقيلة أو الخفيفة باتجاه استعادة هضبة الجولان أو الاختراقات الصهيونية لأجواء بلاده واستهداف منشآته العسكرية، طيلة أربعة عقود، بينما حرّك هذه الترسانة ضد شعبه الأعزل.. مع افتراض صحة ذلك، فإنه لا ينبغي تخوين الشعوب وكأنها في حال استعادتها لحريتها وكرامتها ستتنكر لخيار المقاومة، كما أن حصول الشعوب على حريتها من شأنه تدعيم موقفها في مواجهة أعدائها من الصهاينة وغيرهم والعكس صحيح، ولأن جوهر المقاومة هو رفض ظلم الاحتلال، والسعي لدحره نضاليا، فإن من المستغرب أن نشرعن لبقائه وبقاء أصحابه، ونرفض أي مقاومة شعبية له، ويفترض بمن يشتكي من الظلم ألا يمارسه على الآخرين، لذا فالأحرى بإيران أن تقف مع الحق وليس مع مصالحها الضيقة. وبالمقابل؛ فقد كانت الحكومة التركية المنتخبة ديمقراطيا والتي تتمتع بشعبية كبيرة من قبل مواطنيها منسجمة مع نفسها، وموفّقة في الانحياز إلى قيم الحق، وخيار الشعوب العربية في التغيير والتحرر من الديكتاتورية والظلم ولو جاء على حساب مصالحها الخاصة كدولة. ومعروف أن تركيا كانت قبل الربيع العربي على علاقة وطيدة مع سوريا، ومع جوارها الإقليمي بما في ذلك إيران، وكانت دبلوماسيتها حريصة على تصفير مشاكلها مع الدول العربية والإسلامية وغيرها، وحاولت مع النظام في دمشق خلال عدة أشهر أن يقوم بإصلاحات جادة وحقيقية ويوقف شلال الدماء، ولما شعرت بخداع النظام وتنصله من وعوده كان لابد لها أن تنحاز إلى مطالب الشعب العادلة، وطالبت ـ كما يطالب ـ بإسقاط النظام نهائيا، فكانت بذلك أقرب إلى قيمها كدولة ديمقراطية، وإلى نبض الشارع المطالب بحقوقه المشروعة. لن يضرّ الحكومة التركية التي تستمد قوتها من تأييد شعبها لها عبر انتخابات نزيهة وشفافة وبنسبة كاسحة، ومن وقوفها إلى جانب قيم الحق والعدل ضد الظلم والقمع تحذيرات النظام الإيراني وحليفيه (النظامان السوري والعراقي) اللذين لوحا بإمكانية أن يقوم معهما بإعادة الروابط السياسية والدبلوماسية مع تركيا، لأن هذه الدول تعاني من المشروعية الشعبية ـ وإن بنسب متفاوتة، كما أن خيارات الأمم والشعوب دوما هي الأبقى من الأنظمة والأشخاص والمصالح الشخصية الضيقة.